ربما كان قد صحب ميلاد المجتمع الإسلامي، ولكنه أعطانا وثائق يمكن أن تكون تأكيداً لما سبق إيراده من اعتبارات نظرية، تخول لهذه الاعتبارات قيمة تربوية قابلة للتطبيق، لدى نهظة المجتمع الإسلامي وإعادة بنائه.
ومع ذلك فلقد عرفنا في ضوء ما سبق ما هي العناصر التي يمكن أن تكون موضوع تربية اجتماعية، إذ يجب أن نغير أساساً الصفات النوعية الخاصة بالفرد، إلى صفات اجتماعية تحدد معالم (الشخص)، أعني تغيير الطاقة الحيوية المنطلقة بواسطة الغرائز إلى طاقة اجتماعية خاضعة لمراقبة نظام الانعكاسات المتكونة لدى الفرد بفضل تكييفه.
ومعنى ذلك خلق شبكة العلاقات القادرة على توحيد هذه الطاقات المنطلقة بواسطة الغرائز، توحيدها في صورة نشاط مشترك، يقوم به مجتمع، وظيفته تجميع هذه الطاقات الفردية لمصلحته بفضل هذه الشبكة.
وهذا هو موضوع التربية الاجتماعية عامة.
ولقد بينا نصيب العنصر الديني في هذا الموضوع، وهو أنه يعمل على تكوين نظام الانعكاسات لدى الفرد المكيف المشروط، كما يعمل على تكوين شبكة العلاقات التي تتيح للمجتمع أن يؤدي نشاطه المشترك.
فبقدر ما تكون هنالك فكرة واضحة تمام الوضوح عن دور هذا العنصر في (ميلاد مجتمع) معين، يمكن أن تكون هنالك فكرة دقيقة تمام الدقة عن دورها الذي يمكن أن تؤديه في (نهضة) هذا المجتمع.
وبهذا ندرك معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -:
((إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)) بمفهومه الاجتماعي الدقيق.