احتمالات. والمجتمع ذاته ليس حينئذ سوى (احتمال) في ضمير الغيب، و (بذرة) من الإمكانيات في غضون التاريخ.
وفي هذه الحالة يحتمل وجوده أن يكون أو ألا يكون، إذ أن (عالم أشخاصه) و (عالم أشيائه) لم يوجدا بعد، ولكن عالم أفكاره يحتوي على الأقل بذرة إمكانياته، كما تحتوي النطفة كل العناصر العضوية والنفسية المسهمة في تركيب الكائن المقبل. فليس وجوده حينئذ سوى فكرة متجسدة، أحياناً في رجل مثل (إبراهيم) الذي قال فيه القرآن الكريم حقاً: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}[النحل: ١٦/ ١٢٠].
فسواء كنا بصدد المجتمع الإسلامي أو المجتمع المسيحي، أم كنا بصدد المجتمعات التي تحجرت اليوم أو اختفت تماماً من الوجود، نستطيع أن نقرر أن الفكرة التي غرست بذرتها في حقل التاريخ هي فكرة دينية. ومعنى هذا أن (الظرف الاستثنائي) الذي يلد مجتمعاً يتفق في الواقع مع الفكرة الدينية التي تحمل مقاديره. كما تحمل النطفة جميع عناصر الكائن الذي سيخرج فيما بعد إلى الوجود. ومعنى هذا أيضاً أن شبكة العلاقات بكل ما تحتويه من خيوط وأطراف، والتي سيتسنى للمجتمع بفضلها أن يؤدي عمله التاريخي- هي ذاتها تعد في حيز القوة، داخل البذرة التي تشتمل جميع أقدارها.
إذن فالعلاقة الروحية بين الله وبين الإنسان، هي التي تلد العلاقة الاجتماعية، وهذه بدورها تربط ما بين الإنسان وأخيه الإنسان، ولقد علمنا من حديثنا في الفصل السابق أنها تلدها في صورة القيمة الأخلاقية. فعلى هذا يمكننا أن ننظر إلى العلاقة الاجتماعية والعلاقة الدينية معاً من الوجهة التاريخية على أنهما حدث، ومن الوجهة الكونية على أنهما عنوان على حركة تطور اجتماعي واحد.
فنحن نرى من الوجهة التاريخية أن الحدثين يتوافقان، ونلاحظ من الوجهة