للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢٨]]

يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨)

قوله تعالى: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا [٢٨] قال: أصح الخلة ما لا يورث الندامة، وليس ذلك إلا الأنس بالله تعالى، والعزلة عن الخلق. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلازم الخلوة لما فتح الله في قلبه من العلم، فكان يحب التفكر فيه. وما من رجل حسنت صلاته إلا واستأنس به كل شيء. والرجل يكون نائماً، فيحركه من نومه أوقات الصلاة فينتبه، وهذا من إخوانه من الجن قد استأنس به، وربما يسافرون معه إذا سافر، ويؤثرونه على أنفسهم، وربما استأنس به الملائكة.

وقد سأل رجل سهلاً فقال: إني أريد أن أصحبك. فقال: إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي فليصحبه الآن. وكان الربيع بن خيثم جالساً على باب داره يوماً، فجاء حجر فصكّ جبهته فشجه، وقال: لقد وعظت يا ابن خيثم، فدخل منزله وأغلق الباب على نفسه، فما رؤي جالساً مجلسه ذلك حتى مات «١» .

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٨]]

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨)

قوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ [٥٨] سئل ابن سالم عن التوكل والكسب بأيهما تعبد الخلق؟ قال: التوكل حال الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والكسب سنته. وإنما استنّ الكسب لهم لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله، فلم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالكسب الذي هو سنته، ولولا ذلك لهلكوا «٢» . قال سهل: من طعن في الكسب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان «٣» .

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]

وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤)

قوله: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [٦٣] أي صواباً من القول وسداداً.

وقال الحسن البصري رحمه الله: هذا دأبهم في النهار، فإذا دخل الليل كانوا كما وصف الله في آخر الآية: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [٦٤] .

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٧٠]]

إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠)

قوله: إِلَّا مَنْ تابَ [٧٠] قال: لا تصح التوبة لأحدكم حتى يدع الكثير من المباح، مخافة أن يخرجه إلى غيره، كما قالت عائشة رضي الله عنها: اجعلوا بينكم وبين الحرام ستراً من الحلال، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعنا بعد الطهر ثلاثاً حتى تذهب فورة الدم.

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٧٢]]

وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢)

قوله: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ [٧٢] قال: الزور مجالس المبتدعين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.


(١) صفوة الصفوة ٣/ ٦٧ وشعب الإيمان ٦/ ٢٦٤.
(٢) الحلية ١٠/ ٣٧٨- ٣٧٩ وطبقات الصوفية ١/ ٣١٢ وتلبيس إبليس ١/ ٣٤٤.
(٣) الحلية ١٠/ ١٩٥ وقوت القلوب ٢/ ٩ وتلبيس إبليس ١/ ٣٤٤.

<<  <   >  >>