للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النور، أي باطنه وظاهره فيه عين محمد صلّى الله عليه وسلّم، فوقف بين يدي رب العالمين بالخدمة ألف ألف عام بطبائع الإيمان، وهو معاينة الإيمان ومكاشفة اليقين ومشاهدة الرب، فأكرمه الله تعالى بالمشاهدة قبل بدء الخلق بألف ألف عام. وما من أحد في الدنيا إلاَّ غلبه إبليس لعنه الله فأسره، إلاَّ الأنبياء صلوات الله عليهم، والصديقون الذين شاهدت قلوبهم إيمانهم في مقاماتهم، وعرفوا اطلاع الله عليهم في جميع أحوالهم، فعلى قدر مشاهدتهم يعرفون الابتلاء، وعلى قدر معرفتهم الابتلاء يطلبون العصمة، وعلى قدر فقرهم وفاقتهم إليه يعرفون الضر والنفع، ويزدادون علماً وفهماً ونظراً. ثم قال: ما حمل الله على أحد من الأنبياء ما حمل على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم من الخدمة، وما من مقام خدمة خدم الله تعالى بها من ولد آدم عليه السلام إلى أن بعث نبينا صلّى الله عليه وسلّم، إلاَّ وقد خدم الله بها نبينا صلّى الله عليه وسلّم. وقد سئل عن معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني» «١» فقال: ما كان معه طعام ولا شراب، ولكنه كان يذكر خصوصيته عند الله تعالى، فيكون كمن أكل الطعام وشرب الشراب، ولو كان معه شراب أو طعام لآثر أهله وأهل الصفة على نفسه.

الثاني: آدم صلوات الله عليه، خلقه من نور، قال عليه السلام: «وخلق محمداً صلّى الله عليه وسلّم، يعني جسده، من طين آدم عليه السلام» .

والثالث: ذرية آدم. وإن الله عزَّ وجلَّ خلق المريدين من نور آدم، وخلق المرادين من نور محمد صلّى الله عليه وسلّم، فالعامة من الخلق يعيشون في رحمة أهل القرب، وأهل القرب يعيشون في رحمة المقرب، يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ [الحديد: ١٢] .

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٦]]

وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)

وقوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها [١٧٦] يعني بلعام بن باعوراء، وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ [١٧٦] وأعرض لمتابعة هواه، وأن الله تعالى قسم الأعضاء في الهوى لكل عضو حظاً منه، فإذا مال عضو من أعضائه إلى الهوى يرجع ضره إلى القلب. واعلموا أن للنفس سراً ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلاَّ على فرعون فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] . فقال: كيف نسلم من الهوى؟ فقال: من ألزم نفسه الأدب سلم منه، فإنه من قهر نفسه بالأدب عبد الله عزَّ وجلَّ بالإخلاص. قال «٢» : وللنفس سبع حجب سماوية، وسبع حجب أرضية، فكلما يدفن العبد نفسه أرضاً سما قلبه سماء، فإذا دفن النفس تحت الثرى وصل القلب


(١) صحيح البخاري: كتاب الصوم، رقم ١٨٦٠- ١٨٦٦ وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، رقم ٦٨٦٩ ومسند أحمد ٢/ ٤١٨.
(٢) الحلية ١٠/ ٢٠٨.

<<  <   >  >>