المطمئنة هي نفس المعرفة، وأن الله تعالى خلق النفس وجعل طبعها الجهل، وجعل الهوى أقرب الأشياء إليها، وجعل الهوى الباب الذي منه تدخل هلاك الخلق. فسئل سهل عن معنى الطبع، وعما يوجب العصمة عنه. فقال: طبع الخلق على أربع طبائع: أولها طبع البهائم البطن والفرج والثاني طبع الشياطين اللعب واللهو، والثالث طبع السحرة المكر والخداع، والرابع طبع الأبالسة الإباء والاستكبار. فالعصمة من طبع البهائم الإيمان، والسلامة من طبع الشياطين التسبيح والتقديس وهو طبع الملائكة، والسلامة من طبع السحرة الصدق والنصيحة والإنصاف والتفضل، والسلامة من طبع الأبالسة الالتجاء إلى الله تعالى بالتضرع والصراخ، وطبع العقل العلم، وطبع النفس الجهل، وطبع الطبع الدعوى «١» .
قوله تعالى: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ [٣٦] قال: إنما قال الله تعالى: «فتيان» لأنهما لم يتجاوز واحدهما في الدعوى، ورجعا في كل ما كان لهما إلى صاحبهما، فسماهما فتيان.
قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [٥٢] قال: لم أنقض له عهداً، ولم أكشف له سترا.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٧]]
وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)
قوله تعالى: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [٦٧] فسئل ما حقيقة التوكل؟ قال: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد. فقيل: ما حق التوكل؟ فقال: أوله العلم وحقيقته العمل، ثم قال: إن المتوكل إذا كان على الحقيقة لا يأكل طعاماً، وهو يعلم أن غيره أحق منه.
قوله تعالى: قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [٨٨] يعني يا أيها الملك العظيم، وباطنها يا أيها المغلوب في نفسه، كما قال الله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: ٢٣] أي غلبني فيه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٥ الى ٨٧]
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)
قوله تعالى: حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً [٨٥] قال: حكي عن علي رضي الله عنه أنه قال:
الحرض هو البلاء لتألم القلب. وقال ابن عباس رضي الله عنه: الحرض دون الموت. وقال سهل: أي فاسد الجسم والعمل من الحزن. وإنما كان حزنه على دين يوسف، لا على نفسه، لأنه علم أنه لو مات على دينه اجتمع معه في الآخرة الباقية، وإذا تغير دينه لم يجتمعا أبداً. وقد حكي عن سفيان أنه قال: إن يعقوب عليه السلام لما جاءه البشير قال له يعقوب: على أي دين تركت يوسف؟ فقال: على دين الإسلام. قال: الآن تمت النعمة.
قوله تعالى: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
[٨٦] يعني همي وحزني. قال سهل:
لم يكن حزن يعقوب على يوسف، إنما كان مكاشفاً لما وجد من قلبه الوجد على مفارقة يوسف
(١) الحلية ١٠/ ٢٠٦.