للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[سورة المائدة (٥) : آية ٨٣]]

وَإِذا سَمِعُوا مَآ أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)

قوله: وَإِذا سَمِعُوا مَآ أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [٨٣] قال: هم القسيسون والرهبان، كان الناس يتمسحون بهم لعلمهم في الدين، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلّم فقرأ عليهم القرآن، فرقُّوا له، ففاضت أعينهم ولم يستكبروا، بعصمة الله إياهم عن الاستكبار، فدخلوا في دينه لما وضع الله تعالى من علمه فيهم، ثم قال: فساد الدين بثلاث:

الملوك إذا أخذوا في السرف والشهوات، والعلماء إذا أفتوا بالرخص، والقراء إذا تعبدوا بغير علم «١» وإن العلماء يحتاج إليهم الخلق في الدنيا والآخرة، وقد حكي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا، يزورون ربهم في كل جمعة فيقال لهم: تمنوا ما شئتم. فينطلقون إلى العلماء، فيقول لهم العلماء: تمنوا كذا تمنوا كذا، فيتمنون» «٢» .

[[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٩]]

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)

وقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قالُوا لاَ عِلْمَ لَنا [١٠٩] يعني لا علم لنا بما كان في قلوبهم من الإيمان بك وغيره، إنما علمنا بما أظهروه من الإقرار باللسان إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [١٠٩] فقيل له: يطالبهم بحقيقة ما في قلوب الأمة؟ فقال: لا، وإنما وقع السؤال بنفسه إياهم عن حقيقة الظاهر الذي لا يظهر إلاَّ بحقيقة الباطن، فأجابوا بالإشارة إلى رد العلم إليه. ويحتمل أن يكون معناه: لا علم لنا بمعنى سؤالك، مع علمك بما أجبنا:

إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [١٠٩] .

[[سورة المائدة (٥) : آية ١١٦]]

وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦)

قوله تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [١١٦] أي لا أعلم غيبك في سؤالك، مع علمك به. ويحتمل أن يريد: تعلم ما في سري ولا أعلم ما في نفسك المستودع في سري، لأن سرك بينك وبينها لا يطلع عليه أحد دونك، وهي العين التي ترى بها الحق، وأذن تسمع بها الحق، ولسان ينادي بالحق. والدليل عليه قوله تعالى للمنافقين: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة: ١٨، ١٧١] لأنه لم يكن لهم هذه المستودعات، والله سبحانه وتعالى أعلم.


(١) انظر مثل هذا القول للتستري في الحلية ١٠/ ٢٠٦.
(٢) كشف الخفاء ١/ ٢٦٣، ولسان الميزان ٥/ ١٥، وفيهما أن الحديث موضوع.

<<  <   >  >>