قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ [١٢] قال: نور المؤمن يسعى بين يديه، له هيبة في قلوب الموافقين والمخالفين، يعظمه الموافق ويعظم شأنه، ويهابه المخالف ويخافه، وهو النور الذي جعله الله تعالى لأوليائه، ولا يظهر ذلك النور لأحد إلا إن انقاد له وخضع، وهو من نور الإيمان، ثم وصف المنافقين أنهم يقولون لهم: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [١٣] فنمضي معكم على الصراط فإنا في الظلمة، فتقول لهم الملائكة: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [١٣] بعقولكم التي كنتم تدبرون بها أموركم في الدنيا، فيرجعون إلى ورائهم، فيضرب الله بين أنفسهم وبين عقولهم سوراً وقد ستر الخيرة، فلا يصلون إلى طريق هدى، حتى إذا انتهوا في السير على الصراط سقطوا في جهنم خالدين فيها.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٥ الى ١٦]
فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦)
قوله تعالى: فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ [١٥] يعني لا يؤخذ منكم فداء عن أنفسكم.
قال ابن سالم: خدمت سهل بن عبد الله ستين سنة، فما تغير في شيء من الذكر أو غيره، فلما كان آخر يوم من عمره قرأ رجل بين يديه هذه الآية: فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ [١٥] فرأيته ارتعد واضطرب حتى كاد يسقط، فلما رجع إلى حال صحوه سألته عن ذلك وقلت: لم يكن عهدي بك هذا. فقال: نعم يا حبيبي قد ضعفت. فقلت: ما الذي يوجب قوة الحال؟ فقال: لا يرد عليه وارد إلا هو يبتلعه بقوته، فمن كان كذلك لا تغيره الواردات، وإن كانت قوية. وكان يقول: حالي في الصلاة وقبل الدخول فيها سواء. وذلك أنه كان يراعي قلبه، ويراقب الله تعالى بسره قبل دخوله، فيقوم إلى الصلاة بحضور قلبه وجمع همته.
قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [١٦] قال: ألم يحن لهم أوان الخشوع عند سماع الذكر، فيشاهدوا الوعد والوعيد مشاهدة الغيب.
قوله تعالى: فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [١٦] قال يعني باتباع الشهوة.
[[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٠]]
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠)
قوله تعالى: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [٢٠] قال: الدنيا نفس نائمة، والآخرة نفس يقظانة. قيل: فما النجاة منها؟ قال: أصل ذلك العلم، ثم ثمرته مخالفة الهوى في اجتناب المناهي، ثم مكابدة النفس على أداء الأوامر على الطهارة من الأدناس، فيورث السهولة في التعبد والحلول بعده في مقامات العابدين، ثم يذيقه الله ما أذاق أولياءه وأصفياءه وهي درجة المذاق.
قال: وذكر لنا أن إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام أصابه يوماً عطش شديد في مفازة يوم شديد الحر، فنظر إلى حبشي يرعى الإبل فقال: هل عندك ماء؟ فقال: يا إبراهيم أيما أحب إليك الماء أو اللبن؟ فقال: الماء. قال: فضرب بقدمه على صخرة فنبع الماء، فتعجب