مَكَانِهِمْ ذَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ سَمِينٌ طَيِّبٌ إلى جنبه لحم غث منتن، يَأْكُلُونَ مِنَ الْغَثِّ الْمُنْتِنِ وَيَتْرُكُونَ السَّمِينَ الطَّيِّبَ» ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عليهم منهن» ، قال:
«ثم رأيت نساء متعلقات بِثَدْيِهِنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ اللَّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرِّجَالِ مَا لَيْسَ من أولادهم» .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالإِسْرَاءِ: هَلْ كَانَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لا؟
وَأَيُّهُمَا كَانَ قَبْلَ الآخَرِ؟ وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْيَقَظَةِ أَوْ فِي الْمَنَامِ، أَوْ بَعْضُهُ فِي الْيَقَظَةِ وَبَعْضُهُ فِي الْمَنَامِ، وَهَلْ كَانَ الْمِعْرَاجُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِيخِ ذَلِكَ:
وَالَّذِي رُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وَغَيْرِهِ مِنْ رِجَالِهِ قَالُوا: كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَلَمَّا كانت ليلة السبت لسبع عشر خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ نَائِمٌ ظُهْرًا، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَمِكَائِيلُ فَقَالا: انْطَلِقْ إِلَى مَا سَأَلْتَ اللَّهَ، فَانْطَلَقَا بِهِ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمَ فَأُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ، فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ مَنْظَرًا، فَعَرَجَا بِهِ إِلَى السَّمَوَاتِ سَمَاءً سَمَاءً ... الْحَدِيثَ.
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلافَ السَّلَفِ فِي الإِسْرَاءِ: هَلْ كَانَ يَقَظَةً أَوْ مَنَامًا، وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ وَمَا يُحْتَجُّ بِهِ لِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ: وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ مِنْهُمْ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى تَصْدِيقِ الْمَقَالَتَيْنِ وَتَصْحِيحِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَأَنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ مَرَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا فِي نَوْمِهِ تَوْطِئَةً لَهُ وَتَيْسِيرًا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ بَدْءُ نُبُوَّتِهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ أَمْرُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ عَظِيمٌ تَضْعُفُ عَنْهُ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةُ وَكَذَلِكَ الإِسْرَاءُ سَهَّلَهُ عَلَيْهِ بِالرُّؤْيَا، لأَنَّ هو له عَظِيمٌ، فَجَاءَ فِي الْيَقَظَةِ عَلَى تَوْطِئَةٍ وَتَقْدِمَةٍ رِفْقًا مِنَ اللَّهِ بِعَبْدِهِ وَتَسْهِيلا عَلَيْهِ. وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ أَيْضًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي أَلْفَاظِهَا اخْتِلافًا، وَتَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ أَقْرَبُ لِوُقُوعِ جَمِيعِهَا. وَحَكَى قَوْلا رَابِعًا قَالَ: كَانَ الإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْيَقَظَةِ، ثُمَّ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَلِذَلِكَ شَنَّعَ الْكُفَّارُ
قوله: أتيت بين الْمَقْدِسِ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ،
وَلَمْ يُشَنِّعُوا قَوْلَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه ليلة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute