للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَّةُ الْوَدَاعِ

قَالَ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّد عَلِيُّ بْنُ أَحْمَد بْن سَعِيد الْفَارِسِيُّ [١] ، أَعْلَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ النَّاسَ أَنَّهُ حَاجٌّ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ، فَأَصَابَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ جُدَرِيٌّ أَوْ حَصْبَةٌ مَنَعَتْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَمْنَعَ مِنَ الْحَجِّ مَعَهُ، فَأَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّتِي لَمْ يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ مُنْذُ هَاجَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَيْهَا غَيْرَهَا، فَأَخَذَ عَلَى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ عَشْرٍ، نَهَارًا بَعْدَ أَنْ تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ، وَبَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ، وَصَلَّى الْعَصْرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَطَافَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ صَلَّى بِهَا الصُّبْحِ، ثُمَّ طَيَّبَتْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِيَدِهَا بِذَرِيرَةٍ وَبِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَمْ يَغْسِلِ الطِّيبَ ثُمَّ لَبَّدَ رَأْسَهُ، وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ نَعْلَيْنِ وَأَشْعَرَهَا فِي جَانِبِهَا الأَيْمَنِ، وسلمت [٢] الدَّمَ عَنْهَا، وَكَانَتْ هَدْيَ تَطَوُّعٍ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَ نَفْسِهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَأَهَلَّ حِينَ انْبَعَثَتْ بِهِ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ، مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ [٣] ، بِالْقُرْآنِ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا، وَذَلِكَ قَبْلَ الظُّهْرِ بِيَسِيرٍ،

وَقَالَ لِلنَّاسِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ فَلْيُهَلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ» . وَكَانَ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ النَّاسِ جُمُوعٌ لا يُحْصِيهَا إِلا خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لَبَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فقال: «لبيك اللهم لبيك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ والنعمة لك


[ (١) ] هو ابن حزم.
[ (٢) ] أي مسحت.
[ (٣) ] ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة، وهو على بعد ستة أميال من المدينة، وقيل سبعة، وقيل أربعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>