للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ تَوَجُّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ إِلَى كِسْرَى بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ مَنْصَرِفَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى كِسْرَى، وَبَعَثَ مَعَهُ كِتَابًا مَخْتُومًا فِيهِ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ [١] ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْمَجُوسِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ: فَانْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى بَابِهِ، فَطَلَبْتُ الإِذْنَ عَلَيْهِ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ وَمَزَّقَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَزَّقَ مُلْكَهُ» .

وَذَكَرَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ كِسْرَى بَيْنَا هُوَ فِي بَيْتٍ كَانَ يَخْلُو فِيهِ، إِذَا رَجُلٌ قَدْ خَرَجَ إِلَيْهِ وَفِي يَدِهِ عَصًا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى، إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ وَاتَّبِعْهُ يَبْقَ لَكَ مُلْكُكَ، قَالَ كِسْرَى: أَخِّرْ هَذَا عني آثرا ما فدعا حُجَّابَهُ وَبَوَّابِيهِ فَتَوَاعَدَهُمْ وَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي دَخَلَ عَلَيَّ؟ قَالُِوا: وَاللَّهِ مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ، وَمَا ضَيَّعْنَا لَكَ بَابًا، وَمَكَثَ حَتَّى كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ: إِلَّا تُسْلِمْ أَكْسِرِ الْعَصَا، قَالَ: لا تفعل، أخر ذلك آثرا مَا، ثُمَّ جَاءَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَفَعَلَ. مِثْلَ ذَلِكَ، وَضَرَبَ بِالْعَصَا عَلَى رَأْسِهِ فَكَسَرَهَا، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَهُ قَتَلَهُ فِي تلك الليلة، وأعلم الله بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لحدثان كونه، فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك رسل بأذان إليه، وكان بأذان


[ (١) ] سورة يس: الآية ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>