وليس كذلك، فهذه جرحة من فاعلها، وكبيرة من مرتكبها، وليس في أخبار أحمد عن ابن إسحق ما يقتضي روايته عن الضعيف وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبني على ذلك قدح أصلا. وجواب ثان: محمد بن إسحق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ، فقد يميز من حديث الكلبي وغيره مما يجري مجراه ما يقبل ما يرد، فكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه، وقد قال يعلى بن عبيد، قال لنا سفيان الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه؟ فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه. ثم غالب ما يروى عن الكلبي أنساب وأخبار من أحوال الناس وأيام العرب وسيرهم، وما يجري مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن لا تحمل عنه الأحكام، وممن حكى عنه الترخص في ذلك الإمام أحمد، وممن حكى عنه التسوية في ذلك بين الأحكام وغيرها يحيى بن معين، وفي ذلك بحث ليس هذا موضعه.
وأما قول عبد الله عن أبيه: لم يكن يحتج به في السنن، فقد يكون لما أنس منه التسامح في غير السنن التي هي جل علمه من المغازي والسير طرد الباب فيه، وقاس مروياته من السنن على غيرها وطرد الباب في ذلك يعارضه تعديل من عدله، وأما قول يحيى: ثقة وليس بحجة، فيكفينا التوثيق ولو لم يكن يقبل الأمثل العمري [١] ومالك لقل المقبولون.
وأما ما نقلناه عن يحيى بن سعيد من طريق ابن المديني ووهب بن جرير فلا يبعد أن يكون قلد مالكا لأنه روى عنه قول هشام فيه، وأما قول يحيى: ما أحب أن احتج به في الفرائض، فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الإمام أحمد رحمهم الله، على أن المعروف عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين المرويات من أحكام وغيرها، والقبول مطلقا أو عدمه من غير تفصيل.
وأما ما عدا ذلك من الطعن فأمور غير مفسرة ومعارضة في الأكثر من قائلها بما يقتضي التعديل، وممن يصحح حديثه، ويحتج به في الأحكام أبو عيسى الترمذي رحمه الله وأبو حاتم بن حبان، ولم نتكلف الرد عن طعن الطاعنين فيه إلا لما عارضه من تعديل العلماء له وثنائهم عليه، ولولا ذلك لكان اليسير من هذا الجرح كافيا في
[ (١) ] أي عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.