للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألف حديث، وقد روينا عنه من تتبعه آثار مواضع الوقائع وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال سلفهم ما يقتضي انفرادا بروايات وأخبار لا تدخل تحت الحصر، وكثيرا ما يطعن في الرّاوي برواية وقعت له من أنكر تلك الرواية عليه واستغربها منه، ثم يظهر له أو لغيره بمتابعة متابع أو سبب من الأسباب براءته من مقتضى الطعن فيتخلص بذلك من العهدة.

وقد روينا عن الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه أنه قال: ما زلنا ندافع أمر الواقدي حتى روى عنه معمر عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أفعمياوان أنتما» فجاء بشيء لا حيلة فيه، والحديث حديث يونس لم يروه غيره.

وروينا عن أحمد بن منصور الرمادي قال: قدم علي بن المديني بغداد سنة سبع ومائتين، والواقدي يومئذ قاض علينا، وكنت أطوف مع علي على الشيوخ الذين يسمع منهم، فقلت: أتريد أن تسمع من الواقدي؟ ثم قلت له بعد ذلك: لقد أردت أن أسمع منه، فكتب إلى أحمد بن حنبل، كيف تستحل الرواية عن رجل روى عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة، وهذا حديث يونس تفرد به. قال أحمد بن منصور الرمادي: فقدمت مصر بعد ذلك، فكان ابن أبي مريم يحدثنا به عن نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن نبهان، وقد رواه أيضا يعقوب بن سفيان عن سعيد بن أبي مريم عن نافع بن يزيد كرواية الرمادي، قال الرمادي: فلما فرغ ابن أبي مريم من هذا الحديث ضحكت، فقال: مم تضحك؟ فأخبرته بما قال علي وكتب إليه أحمد، فقال لي ابن أبي مريم: إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري، وكان الرمادي يقول: هذا مما ظلم فيه الواقدي فقد ظهر في هذا الخبر أن يونس لم ينفرد به وإذ قد تابعه عقيل، فلا مانع من أن يتابعه معمر، وحتى لو لم يتابعه عقيل لكان ذلك محتملا، وقد يكون فيما رمى به من تقليب الأخبار ما ينحو هذا النحو. قد أثبتنا من كلام الناس في الواقدي ما يعرف به حاله والله الموفق. وربما حصل إعلام في بعض الأحيان بغريبة توجد في الخبر وتنبيه على مشكل يقع فيه متنا أو إسنادا على وجه الإيماء والإشارة لا على سبيل التقصي وبسط العبارة، وسميته بعيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. والله المسؤول أن يجعل ذلك لوجهه الكريم خالصا، وأن يؤوينا إلى ظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا، بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>