للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَلِيقُ شَيْئًا وَلا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي ثُمَّ قُلْتُ: ذَلِكَ [١] وَاللَّهِ الْمَلائِكَةُ، قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، قَالَ: وَثَاوَرْتُهُ [٢] فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الأَرْضَ ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي [٣] فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ فَضَرَبْتُهُ بِهِ ضَرْبَةً فَلَغَتْ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً وَقَالَتِ: اسْتَضْعَفْتَهُ إِنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ، فَقَامَ مُوَلِّيًا ذَلِيلا، فَوَاللَّهِ مَا عَاشَ إِلَّا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة [٤] فقتله.

قال ابن إسحق فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفُرُوا لَهُ، وَلَكِنْ أَسْنَدُوهُ إِلَى حَائِطٍ وَقَذَفُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ مِنْ خَلْفِ الْحَائِطِ حَتَّى وَارَوْهُ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ الْعدسةَ قرحَةٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهَا، وَيَرَوْنَ أَنَّهَا تَعْدِي أَشَدَّ الْعَدْوَى، فَلَمَّا أَصَابَتْ أَبَا لَهَبٍ تَبَاعَدَ عَنْهُ بَنُوهُ، وَبَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلاثا لا تُقْرَبُ جِنَازَتُهُ وَلا يُحَاوَلُ دَفْنُهُ، فَلَمَّا خَافُوا السُّبَّةَ فِي تَرْكِهِ حَفَرُوا لَهُ ثُمَّ دَفَعُوهُ بِعُودٍ فِي حُفْرَتِهِ وَقَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ بَعِيدٍ حَتَّى وَارَوْهُ. وَيُرْوَى أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ إِذَا مَرَّتْ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ غَطَّتْ وَجْهَهَا.

قَالَ ابْنُ إسحق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهُمْ ثُمَّ قَالُوا: لا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمَّدا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ، وَلا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنَسُوا بِهِمْ لا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ. قَالَ ابْنُ عقبة: أقام النوح شهرا.

قال ابن إسحق: وَكَانَ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ: زَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَعُقَيْلُ بن الأسود، والحرث بْنُ زَمْعَةَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بنيه، قال:

فبينا هو كذلك إذا سَمِعَ صَوْتَ نَائِحَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلامٍ لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: انْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ؟ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهَا لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حُكَيْمَةَ (يَعْنِي زَمْعَةَ) فَإِنَّ جَوْفِي قَدِ احْتَرَقَ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ الْغُلامُ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلَّتْهُ، قَالَ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ الأسود:


[ (١) ] وعند ابن هشام: تلك ...
[ (٢) ] أي قاومته
[ (٣) ] وعند ابن هشام: وكنت رجلا ضعيفا ...
[ (٤) ] العدسة: بثرة تخرج في البدن كالطاعون، وقلما يسلم صاحبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>