للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَذَّنَ وَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدُ لكل صلاة إقامة إقامة، وصلى هو أصحابه مَا فَاتَهُمْ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةَ الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّه أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا»

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قِتَالٌ جَمِيعًا حَتَّى انْصَرَفُوا، إِلَّا أَنَّهُمْ لا يدعون [يبعثون] [١] الطلائع بالليل يطمعون في الغارة.

قال ابن إسحق: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْخَوْفِ والشدة بمظاهرة عَدُوِّهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ إِلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيَّ [٢] أَتَى رَسُولَ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْلَمْتُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخُذْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ [٣] ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ،

فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ، وَخَاصَّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا:

صَدَقْتَ، لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَمَا أَنْتُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ، وَبِهِ أَمْوَالُكُمْ، وَنِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ، لا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَتَحَوَّلُوا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَان قَدْ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمَّد وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَبَلَدُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ، فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ، فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا، وَإِنْ كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا ببينكم وَبَيْنَ الرَّجُلِ بِبَلَدِكُمْ، وَلا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلا بِكُمْ، فَلا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم [يكونون] [٤] بِأَيْدِيكُمْ ثِقَة لَكُمْ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَكُمْ مُحَمَّدا [٥] حَتَّى تَنَاجَزُوهُ، قَالُوا: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ، وَفِرَاقِي مُحَمَّدا، وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ [٦] نُصْحًا لَكُمْ، فَاكْتُمُوا عَنِّي، قَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا على ما صنعوا فيما


[ (١) ] زيدت على الأصل من طبقات ابن سعد (٢/ ٦٩) .
[ (٢) ] وعند ابن هشام: نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان.
[ (٣) ] وعند ابن هشام: إن استطعت.
[ (٤) ] وردت في الأصل: يكون، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام.
[ (٥) ] وعند ابن هشام: يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا.
[ (٦) ] وعند ابن هشام: قد رأيت عليّ حقا أن أبلغكموه.

<<  <  ج: ص:  >  >>