للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ أَبَدًا، [١] فَلَمَّا بَلَغَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: «أَمَّا لَوْ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَأَمَّا إذا فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .

وحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْن عَبْد اللَّهِ بْن قُسَيْطٍ أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: قُلْتُ: مِمَّ تَضْحَكُ أَضْحَكَ اللَّه سِنَّكَ؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ» قَالَتْ: قُلْتُ: أَفَلا أُبَشِّرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بَلَى إِنْ شِئْتِ» قَالَ: فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ، فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَتْ: فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ، حَتَّى يَكُونَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ خَارِجًا إِلَى صلاة الصبح أطلقه.

قَالَ ابْن هِشَامٍ: أَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتَّ لَيَالٍ، تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ فَتَحُلُّهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَرْتَبِطُ بِالْجِذْعِ فِيمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أبا لبابة ارتبط سلسلة رُبُوضٍ- وَالرُّبُوضُ الثَّقِيلَةُ- بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتَّى ذَهَبَ سَمْعُهُ، فَمَا يَكَادُ يَسْمَعُ، وَكَادَ يَذْهَبُ بَصَرُهُ، وَكَانَتِ ابْنَتُهُ تَحُلُّهُ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ إعادته إلى الرباط، فقال رسول الله: «لَوْ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ» .

قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتُلِفَ فِي الْحَالِ الَّذِي أَوْجَبَ فِعْلِ أَبِي لُبَابَةَ هَذَا بِنَفْسِهِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ بِسَارِيَةٍ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أحل نفسي منها، أو أَذُوقُ طَعَامًا وَلا شَرَابًا حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ أَوْ أَمُوتَ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لا يَذُوقُ طَعَامًا وَلا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ نَحْوَ ما تقدم في حل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ،

ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قال: «يجزئك يا أبا لبابة الثلث» .


[ (١) ] قال ابن هشام: وأنزل الله تعالى في لبابة فيما قال سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي قتادة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ سورة الأنفال: الآية ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>