للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زُرَيْقٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ حَتَّى أُلْحِقَكَ بِالنَّاسِ.

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ لأَبِي عَيَّاشٍ: يَا أَبَا عَيَّاشٍ، لَوْ أَعْطَيْتُ هَذَا الْفَرَسَ رَجُلا هُوَ أَفْرَسُ مِنْكَ فَلَحِقَ بِالْقَوْمِ، فَقَالَ أَبُو عَيَّاشٍ:

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَفْرَسُ النَّاسِ، ثُمَّ ضَرَبْتُ الْفَرَسَ، فَوَاللَّهِ مَا جَرَى بِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتَّى طَرَحَنِي، فَعَجِبْتُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَوْ أَعْطَيْتُهُ أَفْرَسَ مِنْكَ» وَأَنَا أَقُولُ: أَنَا أَفْرَسُ النَّاسِ،

فَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَعْطَى فَرَسَ أَبِي عَيَّاشٍ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ، أَوْ عَائِذَ بْنَ مَاعِصِ بْنِ قَيْس بْن خَلْدَةَ، وَكَانَ ثَامِنًا. كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ وَأَخَاهُ عَائِذًا قُتِلا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَعُدُّ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ أَحَدَ الثَّمَانِيَةِ، وَيَطْرَحُ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ سَلَمَةُ يَوْمَئِذٍ فَارِسًا، قَدْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَ بِالْقَوْمِ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَخَرَجَ الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا.

فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أَوَّلَ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَانَ يُقَالُ لِمُحْرِزٍ: الأَخْرَمُ، وَيُقَالُ لَهُ: قُمَيْرٌ، وَأَنَّ الْفَزَعَ لَمَّا كَانَ جَالَ فَرَسٌ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْحَائِطِ حِينَ سَمِعَ صَاهِلَةَ الْخَيْلِ، وَكَانَ فَرَسًا صَنِيعًا [١] جَامًّا، فَقَالَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ حِينَ رَأَيْنَ الْفَرَسَ يَجُولُ فِي الْحَائِطِ بِجِذْعِ نَخْلٍ هُوَ مَرْبُوطٌ بِهِ: يَا قُمَيْرُ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَرْكَبَ هَذَا الْفَرَسَ، فَإِنَّهُ كَمَا تَرَى، ثُمَّ تَلْحَقَ بِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَيْنَهُ إِيَّاهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبثْ أَنْ بَذَّ الْخَيْل لِجِمَامِهِ [٢] حَتَّى أَدْرَكَ الْقَوْمَ فَوَقَفَ لَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ: قِفُوا يَا مَعْشَرَ بَنِي اللَّكِيعَةِ حَتَّى يَلْحَقَ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَدْبَارِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، قَالَ: وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ، وَجَالَ الْفَرَسُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أريِهِ [٣] فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ.

قَالَ ابْن هِشَامٍ: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ مُحَرِّزٍ، وَقَّاصُ بن محرز الْمُدْلِجِيُّ [٤] فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العلم. قال ابن إسحق: ولما تلاحقت الخيل


[ (١) ] أي يخدم ويعتنى به.
[ (٢) ] أي استعاد نشاطه وراحته.
[ (٣) ] موضع ربط الدابة.
[ (٤) ] وفي الإستيعاب: وقاص بن مجزز المدلجي.

<<  <  ج: ص:  >  >>