للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ نَتَرَفَّقُ بِهِ، وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا» .

وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنِّفُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ بَلَغَهُ ذلك في شَأْنِهِمْ: «كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ قُلْتَ لِي اقْتُلْهُ لأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ لَوْ أَمَرْتُهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ لأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ بركة من أمري. وقد مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكَّةَ مُسْلِمًا فِيمَا يُظْهِرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُكَ مُسْلِمًا، وَجِئْتُ أَطْلُبُ دِيَةَ أَخِي [١] ، قُتِلَ خَطَأً، فَأَمَرَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كَثِيرٍ، ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا،

فَقَالَ فِي شِعْرٍ يَقُولُهُ:

شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْندًا ... يُضَرِّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءَ الأَخَادِعِ

وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تَلُمُّ فَيَحْمِينِي وطاء المضاجع

حللت به وترى وأدركت ثؤرتي ... وَكُنْتُ إِلَى الأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ

ثَأَرْتُ بِهِ فَهْمًا [٢] وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ

وقال مقَيْس بْن صُبَابَةَ أَيْضًا:

جَلَّلْتُهُ ضَرْبَةً بَاتَتْ لَهَا وَشَلٌ ... مِنْ نَاقِعِ الْجَوْفِ يلوه وَيَنْصَرِمْ

فَقُلْتُ وَالْمَوْتُ تَغْشَاهُ أَسِرَّتُهُ ... لا تَأْمَنَنَّ بَنِي بَكْرٍ إِذَا ظَلَمُوا

قَالَ ابْن هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ: يَا منصور أمت أمت.

قال ابن إسحق: وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ نَاسٌ يَوْمَئِذٍ، وَقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ: مَالِكًا وَابْنَهُ [٣] ، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قد أصاب منهم سببا كَثِيرًا، فَشَاءَ قَسَّمْتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِيمَنْ أصيب يومئذ من السبابا: جُوَيْرِيَة بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، زَوْجُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


[ (١) ] وَعِنْدَ ابن هشام: وجئتك أطلب دية أخيك.
[ (٢) ] وعند ابن هشام: فهرا.
[ (٣) ] وعند ابن هشام: وَقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ: مالكا وابنه، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم يقال له: أحمر أو أحيمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>