للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبَّاسَ أَنْ يَحْبِسَ أَبَا سُفْيَانَ بِمَضِيقِ الْوَادِي، عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ [١] حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا، فَفَعَلَ، فَمَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هذه؟ فأقول: سليم، قال: يقول: مالي وَلِسُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: يَا عباس ما هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: مالي وَلِمُزَيْنَةَ، حَتَّى نَفِدَتِ الْقَبَائِلُ، مَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إِلَّا سَأَلَنِي عَنْهَا، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بِهِمْ قال، مالي وَلِبَنِي فُلانٍ، حَتَّى مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ، وَفِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، لا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ [٢] مِنَ الْحَدِيدِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَا عَبَّاسُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، قَالَ: مَا لأَحَدٍ بِهَؤُلاءِ قِبَلٌ وَلا طَاقَةٌ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ كَتِيبَةَ الأَنْصَارِ جَاءَتْ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَمَعَهُ الرَّايَةُ قَالَ: وَلَمْ يُرَ مِثْلُهَا، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ هِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ [٣] . كَذَا وَقَعَ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي كَتَابِهِ:

هِيَ أَجَلُّ الْكَتَائِبِ، وَهُوَ الأَظْهَرُ.

رَجْعٌ إِلَى الأَوَّلِ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْيَوْمَ عَظِيمًا، قَالَ: قُلّْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذَنْ. قَالَ:

قُلْتُ: النَّجَاءَ إِلَى قَوْمِكَ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لا قِبَلَ [٤] لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَامَتْ إليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به فقالت: اقتلوا الحميت الدَّسِمَ الأَحْمَسَ [٥] ، قَبُحَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ، قَالَ: وَيْلَكُمْ، لا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، [قالوا] [٦] : قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ! قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دورهم وإلى المسجد.


[ (١) ] أي مضيقة.
[ (٢) ] الحدقة: السواد المستدبر وسط العين، والجمع: حدق وحداق، وأحداق.
[ (٣) ] أنظر صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الفتح (٥/ ٩١) .
[ (٤) ] أي لا قدرة ولا طاقة لكم في رده.
[ (٥) ] الحيمت: الزق يجعل فيه السمن أو العسل أو الزيت، والدسم: كثير الدهن والشحم واللحم، والأحمس: شديد اللحم، شبهته هنا بالزق عند ما ينتفخ بالعسل أو الزيت أو السمن.
[ (٦) ] وردت في الأصل: قال، وما أثبتناه من سرة ابن هشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>