للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» وَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النِّسَاءِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» ، قِيلَ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا» .

وَنَزَلَتْ بَرَاءَتُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِهَا، وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، وَقَالَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ: وَرَأَيْتُ مَشْيَخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَكَابِرَ يَسْأَلُونَهَا عَنِ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْيًا فِي الْعَامَّةِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِفِقْهٍ وَلا بِطِبٍّ وَلا بِشِعْرٍ مِنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ جَمِيعِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِلْمُ جَمِيعِ النِّسَاءِ لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ. وَفِيهَا يَقُولُ حَسَّانٌ يَمْدَحُهَا وَيَعْتَذِرُ إِلَيْهَا:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَي مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

عَقِيلَةُ أَصْلٍ [١] مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامُ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ

مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللَّهُ خَيْمَهَا [٢] ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ بَغْيٍ وَبَاطِلِ

فَإِنْ كَانَ مَا قَدْ قِيلَ عَنِّي قُلْتُهُ ... فَلا رَفَعْت سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي

وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنِ الْمَحَافِلِ

تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ لَيْلا. وَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ ابْنَا الزُّبْيَرِ، وَقَدْ قَارَبَتْ سَبْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَمَوْلِدُهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ النُّبُوَّةِ.

ثُمَّ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُمُّهَا قُدَامَةُ بِنْتُ مَظْعُونٍ، وَهِيَ شَقِيقَةُ عَبِْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَسَنُّ مِنْهُ، مَوْلِدُهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ، كَانَتْ تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا مِنْ جِرَاحَاتٍ أَصَابَتْهُ بِبَدْرٍ، وَقِيلَ: بِأُحُدٍ، وَالأَوَّلُ أَشْهَرُ.

فَتَزَوَّجَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجِرِهِ عَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ أَوْ بَعْدَ أُحُدٍ عَلَى الثَّانِي. وَكَانَ عُمَرُ قَدْ عَرَضَهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ كَلِمَة، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ حِينَ مَاتَتْ رُقَيَّةُ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ الْيَوْمَ،

فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَا


[ (١) ] سيدة القوم.
[ (٢) ] أي طبيعتها وسجيتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>