للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِظَامِ، خَمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ رُوِّينَا حديث الحسن بن علي: فثنا خالي هند بن أَبِي هَالَةَ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم كَمَا سَبَقَ، وَفِيهِ: أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ، سَوَابِغَ مِنْ غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عَرَقٌ يَدُرُّهُ الْغَضَبُ. وَفِيهِ: كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَدْعَجَ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، وَفِيهِ: إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا، وَيَخْطُو تَكَفُّؤًا!، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ، أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ. قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ؟ قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَة، وَلا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلَ السُّكُوتِ، يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَضْلا لا فُضُولَ فِيهِ وَلا تَقْصِيرَ، دَمِثًا لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا بِالْمُهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، وَلا يَذُمُّ شَيْئًا، لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلا يَمْدَحُهُ، وَلا يقام لغضه إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ بِشَيْءٍ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، لا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أشار بكفه كلها، وإذا نعجب قَلَّبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، فَضَرَبَ بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى رَاحَتَهُ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرَحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حُبِّ الْغَمَامِ. قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَخْرَجِهِ وَمَجْلِسِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ الْحُسَيْنُ: سَأَلْتُ أَبِي عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَجْلِسِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، جُزْءًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَجُزْءًا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزءا جُزْآهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ، وَلا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ ذِي الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، قِسْمَتُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوائِج، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ، وَالأُمَّةَ فِي مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: لَيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَة مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَ حاجته، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا، وَلا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً، يَعْنِي: فُقَهَاءَ. قُلْتُ:

فَأَخْبِرْنِي عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يخزن لسانه إلا ما يَعْنِيهِمْ وَيُؤْلِفُهُمْ وَلا يُفَرِّقُهُمْ، يُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>