للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَتْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهَا، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى الأَمِينَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِمَا عَرَفُوا مِنْ أَمَانَتِهِ وَعَدْلِهِ. وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: كَانَ يُتَحَاكَمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لِقُرَيْشٍ: قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ سَاحِرٌ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ: مَا لَمَسَتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ لا يَمْلِكُ رِقَّهَا، وَقَالَ: «وَيْحَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» .

وَعَنِ الْحَسَنِ: مَا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ أَحَدًا بِقَرَفِ [١] أَحَدٍ، وَلا يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ، وَكَانَ أَوْقَرَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِهِ، لا يَكَادُ يُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الطِّيبَ وَالرَّائِحَةَ الْحَسَنَةَ، وَيَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا، وَمِنْ مُرُوءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيُهُ عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالأَمْرُ بِالأَكْلِ مِمَّا يَلِي، وَالأَمْرُ بِالسِّوَاكِ، وَإِنْقَاءُ الْبَرَاجِمِ وَالرَّوَاجِبِ [٢] وَاسْتِعْمَالُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ.

وَأَمَّا زُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا وَعِبَادَتُهُ وَخَوْفُهُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

فَقَدْ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَكَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» .

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامِ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلا شَاةً وَلا بَعِيرًا،

قَالَتْ: وَلَقَدْ مَاتَ وَمَا فِي بَيْتِي شَيْءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، وَقَالَ لِي: «إِنِّي عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ لِي بَطْحَاءُ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ:

لا يَا رَبِّ، بَلْ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا، فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ فَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ وَأَدْعُوكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَشْبَعُ فِيهِ فَأَحْمَدُكَ وَأُثْنِي عَلَيْكَ» ،

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ هُوَ وَأَهْلُهُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا لا يَجِدُونَ عَشَاءً. وَكَانَ يَقُولُ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» ،

وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ عَمَلُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيمَةً [٣] ، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ يُطِيقُ، وَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ.

وَقَالَ عوف بن مالك: كنت مع


[ (١) ] أي بتهمة.
[ (٢) ] ما بين الأصابع.
[ (٣) ] أي مستمرا كالمطر الدائم المتابع في تساقطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>