للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْكِبَهُ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يُبْعَثُ بِهَذَا الدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ فَأْتِهِ فَهُوَ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ،

فقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ كُنْتَ صَدَقَتْنَيِ لَقَدْ لَقِيتَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» . رَوَاهُ ابن إسحق عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ فَذَكَرَهُ.

قِيلَ:

إِنَّ الرَّجُلَ الْمَطْوِيَّ الذِّكْرِ فِي هَذَا الإِسْنَادِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، فَإِنْ يُكَنِّهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ. وَقَالَ: وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَلا نَكَارَةَ فِي مَتْنِهِ، فَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَزَلَ بَعْدَ مَا رُفِعَ وَأُمُّهُ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْجِذْعِ الَّذِي فِيهِ الصَّلِيبِ يَبْكِيَانِ، فَكَلَّمَهُمَا وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَأَنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ وَوَجَّهَهُمْ إِلَى الْبِلادِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْزِلَ مَرَّةً جَازَ، أَنْ يَنْزِلَ مِرَارًا، وَلَكِنْ لا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ هُوَ حَتَّى يَنْزِلَ النُّزُولَ الظَّاهِرَ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُرْوَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ جُذَامَ، وَيُدْفَنُ إِذَا مَاتَ فِي رَوْضَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.

وقوله: فقر لثلاثمائة وَدِيَّةٍ مَعْنَاهُ: حَفَرَ. وَقَوْلُهُ: أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ، قِيلَ: الْوَجْه بِالتَّفْقِيرِ. وَقَطَنُ النَّارِ: خَازِنُ النَّارِ وَخَادِمُهَا. وَالْعُرَوَاءُ الرَّعْدَةُ. وَرَأَيْتُ بِخَطِّ جَدِّي رَحِمَهِ اللَّهُ فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى نُسْخَتِهِ بِكِتَابِ (السِّيرَةِ الْهِشَامِيَّةِ) مِنْ حَوَاشِي كِتَابِ أَبِي الْفَضْلِ عِيَاضِ بْنِ مُوسَى وَغَيْرِهِ قَالَ الصَّدَفِيُّ: الْعُرَوَاءُ الْحُمَّى النَّافِضُ، وَالْبُرَحَاءُ الْحُمَّى الصَّالِبُ، وَالرُّحَضَاءُ الْحُمَّى الَّتِي تَأْخُذُ بِالْعُرُوقِ، وَالْمُطَوَاءُ الَّتِي تَأْخُذُ بِالتَّمَطِّي، وَالثُّوَبَاءُ التي تأخذ بالتثاؤب.

وذكر ابن إسحق فِي خَبَرِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ: وَكَانَ زَيْدٌ قَدْ أَجْمَعَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِيَضْرِبَ فِي الأَرْضِ يَطْلُبُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيِّ كُلَّمَا رَأَتْهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ وَأَرَادَهُ آذَنَتْ بِهِ الْخَطَّابَ بْنَ نُفَيْلٍ، وَكَانَ الْخَطَّابُ وَكَلَهَا بِهِ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتِيهِ هَمَّ بِأَمْرٍ فَآذِنِينِي بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَيَسْأَلُ الرُّهْبَانَ وَالأَحْبَارَ حَتَّى بَلَغَ الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَجَالَ الشَّامَ كُلَّهَا، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى رَاهِبٍ بِمَيْفَعَةٍ [١] مِنَ الأرض البلقاء كان


[ (١) ] الميفعة: المكان المرتفع من الأرض، واليافعات من الجبال: الشمخ المرتفعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>