للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَن سمعهُ كانَ غيرَ ثبتٍ، فيكونُ بينه / ١٣٨ب / وبينَ الثقةِ رجلٌ غيرَ ثقةٍ، وهذهِ النكتةُ في ردِّ المرسلِ؛ لأنَّ الواسطةَ بينَ الثقةِ والثقةِ قد يجوزُ أنْ يكونَ غيرَ ثقةٍ، فإنِ اعتلَّ معتلٌ بأصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّهُ يُحدّثُ بعضُهم عن بعضٍ، وما قالَ ابنُ عباسٍ: ((ما كلُّ شيءٍ نحدّثُكم سمعناهُ منَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنْ يحدّثُ بعضُنا بعضاً)) (١). فإنَّ أصحابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلَّهم ثقاتٌ لا يُردُّ خبرُ أحدٍ منهم، ولا يكشفُ أحدٌ منهم، ولا يمتحنُ، ثمَّ قالَ: وقالَ قائلٌ: إنَّ مَن حدّثَ بحديثٍ عن مَن لقيَ ما لم يسمعْ منهُ فليسَ بتدليسٍ، وهذا إرسالٌ، قيلَ له: الإرسالُ أنْ يقولَ الرجلُ: قالَ فلانٌ، ومعلومٌ أَنَّهُ لم يلقَ، كقولِ الحسنِ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكقولِ مالكٍ: قالَ سعيدُ بنُ المسيبِ، وإذا لَقِيَ الرجلُ الرجلَ وسمعَ منهُ، فإذا حَكَى عنهُ ما لم يسمعْ فإنما يدرجهُ بـ ((عن)) ليكونَ في الظاهرِ كأنَّهُ سمعهُ منهُ، ألا ترى أنَّ من عُرِفَ بذلكَ وُقِفَ في حديثهِ، فقيلَ له: سمعتَهُ من فلانٍ؟ فيقولُ: لا، أخبرنيهِ فلانٌ، فربما أحالَ على ثقةٍ، وربما أحالَ على غيرِ ثقةٍ، فهذا الضربُ سُمِّيَ تدليساً، والذي بهِ وقفنا المدلس هوَ الذي رددنا بهِ المرسلَ؛ لأنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ ممن يرغبُ عن الروايةِ (٢) عنهُ)).

قولهُ: (فجعلوا التدليسَ ... ) (٣) إلى آخره، هذا (٤) هوَ الذي سيأتي تسميته تدليسَ التسويةِ، ويؤيدهُ قوله: ((فما سلمَ منَ التدليسِ / ١٣٩ أ / أحدٌ لا مالكٌ ولا غيرهُ)) يعني: فإنَّ مالكاً مثلاً يريدُ أنْ يخرجَ من حديثِ ابنِ عباسٍ، ولم يقعْ له إلا من


(١) روي هذا الأثر من كلام أنس بن مالك، أخرجه: الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" ١/ ١١٧ (١٠٠). وانظر: التمهيد لابن عبد البر ١/ ٣٥٢، وتهذيب الكمال ١/ ٢٩٣.
(٢) عبارة: ((عن الرواية)) تكررت في (ف).
(٣) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٣٦.
(٤) لم ترد في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>