للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روايتهِ بعد علمهِ بتواترِها كَفَرَ، كما لَوْ جحدَ مثلاً كلمة ((مِنْ)) فِي قولهِ تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فِي سورةِ براءةَ (١)، ونحو ذَلِكَ، وإنما نفاها مالكٌ -- مثلاً-؛ لأنّ قراءتَهُ قراءةُ المدنيينَ، ولم تثبتْ فِي روايتِهم. فالذي يتحرّرُ أنَّ الشخصَ - شافعياً كانَ، أو غيرَهُ- إذا قرأَ فِي صلاةٍ أو غيرها بروايةِ مَنْ يَرى البسملةَ / ١٦٦ ب / آيةً وأَسقطَها، فَقَدْ أساءَ لمخالفتهِ للروايةِ، وإنْ قرأَ لغيرهِ وأسقطَها، فهوَ محسنٌ. وهذا واضحٌ لا غبارَ عَلِيهِ، وَهُوَ موافقٌ لما قالَ شيخُنا، إمامُ أهلِ القراءاتِ فِي عصرهِ شمسُ الدينِ أبو الخيرِ مُحَمَّدُ بنُ الجزرِيِّ فِي كتابهِ

" النشرِ " الَّذِي تلقّتهُ الأمةُ بالقبولِ وأقرّ لهُ الفحولُ أَنَّهُ لَمْ تسمعِ (٢) الأعصارُ بمثلهِ، بعدَ أنْ حَكَى الأقوالَ فِي أنها آيةٌ من الفاتحةِ أو غيرها، أو ليست بآيةٍ فإنهُ قَالَ (٣): ((وهذه الأقوالُ ترجعُ إِلَى النفي والإثباتِ، والذي نعتقدُهُ أنَّ كليهما صحيحٌ، وأنَّ ذَلِكَ حقٌّ؛ فيكونُ الاختلافُ فيهما كاختلافِ القراءاتِ)). قَالَ السخاويُّ (٤): ((واتفقَ القرّاءُ عَلَيْهَا فِي أولِ الفاتحةِ، فابنُ كثيرٍ، وعاصمٌ، والكسائيُّ، يعتقدونها آيةً منها ومنْ كلِّ سورةٍ، ووافقهم حَمْزَةُ عَلَى الفاتحة خاصةً، وأبو عَمْرٍو، وقالونُ، ومَنْ تابعَهُ من قرّاءِ المدينةِ لا يعتقدونَها آيةً من الفاتحةِ)). انتهى.

ويحتاج إِلَى تعقّبٍ، فلو قَالَ: ((يعتقدونها من القرآنِ أول سورةٍ)) ليعمَّ كونها


(١) وهي جزء من الآيتين ٧٢، و٨٩ من سورة التوبة.
(٢) في (ف): ((تسمح)).
(٣) لم ترد في (ف).
(٤) هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري السخاوي الشافعي، نزيل دمشق، وشيخ القراء والأدباء، له مؤلفات منها: جمال القراء، ومنير الدياجي في الآداب، توفي سنة (٦٤٣ هـ‍).
انظر: سير أعلام النبلاء ٢٣/ ١٢٢، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٨/ ٢٩٧ - ٢٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>