للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَيَقْضِي فِيهِ بِحَسب مَا تَقْتَضِيه الدّلَالَة من التَّفْصِيل والتخصيص وَإِنَّمَا ننكر وُرُود الشَّرْع بتحليل الشَّيْء وتحريمه وإفساد عقد وتصحيحه على سَبِيل الْإِطْلَاق والعموم وَذَلِكَ لَا يجوز من جِهَة النَّص وَالْإِجْمَاع فَكَذَلِك لَا يجوز من جِهَة النّظر وَالِاجْتِهَاد

وَاحْتج الْمُخَالف بِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم اخْتلفت فِي مسَائِل كَثِيرَة وحوادث شَتَّى وَأقر بَعضهم بَعْضًا على الْخلاف وَلم يظْهر مِنْهُم فِي ذَلِك تبري وَلَا تَغْلِيظ فِي القَوْل وَلَو كَانَ الْحق فِي وَاحِد لما أقرّ بَعضهم بَعْضًا على ذَلِك كَمَا لم يقرُّوا من أَبَاحَ الْخمر مِنْهُم على قَوْله وأظهروا التَّغْلِيظ وتبرأ بَعضهم من بعض كَمَا فعلوا ذَلِك فِي مانعي الزَّكَاة وَلما لم ينْقل عَنْهُم فِي الْفُرُوع شَيْء من ذَلِك دلّ على أَن كل مُجْتَهد مُصِيب

قُلْنَا إِجْمَاع الصَّحَابَة حجَّة عَلَيْكُم فَإِنَّهُم صَرَّحُوا على أَن الْحق فِي وَاحِد وَمَا سواهُ خطأ وَقد بَينا ذَلِك فأغنى عَن الْإِعَادَة

وَأما ترك التبري والتغليظ فِي القَوْل حسب مَا فعلوا فِي ترك الصَّلَاة فَلَا يدل على أَن الْجَمِيع حق كَمَا أَن ترك التبري والتغليظ بالْقَوْل على من فعل الصَّغَائِر من الذُّنُوب والمخالفة بَينه وَبَين من ارْتكب الْكَبَائِر مَعَهم فِي ذَلِك لَا يدل على أَن ذَلِك حق وصواب

وعَلى أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم اخْتلفت فِي مسَائِل أَجمعُوا فِيهَا بعد الْخلاف أَن الْحق فِي وَاحِد وَمَا عداهُ بَاطِل كاختلافهم فِي معانعي الزَّكَاة وَلم يظهروا التبري فِي حَال الِاخْتِلَاف وَلَا التَّغْلِيظ فِي القَوْل على من خَالف مِنْهُم ثمَّ لَا يدل على أَن الْجَمِيع حق وصواب

وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب التبري والتغليظ فِيمَا يعلم بطرِيق مَقْطُوع بِهِ وَصرح بدليله وَانْقطع عذر من خَالف فِيهِ فَيجب التَّغْلِيظ عَلَيْهِ والتبري مِنْهُ كالأحكام الَّتِي ذكروها فَأَما فِيمَا يعلم بطرِيق لَا يقطع بِهِ وَكَثُرت فِيهِ وُجُوه الشّبَه وتزاحمت فِيهِ صروف التَّأْوِيل وَالتَّرْجِيح فَلَا يجب ذَلِك فِيهِ وَمَا اخْتلفت فِيهِ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من هَذَا الْقَبِيل فَلهَذَا تركُوا فِيهِ التبري والتغليظ

<<  <   >  >>