للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَو سلمنَا ذَلِك تَسْلِيم نظر لم يتم الدَّلِيل لأَنا إِنَّمَا نوجب ذَلِك بِشَرْط الصِّحَّة والسلامة فَإِذا أدّى إِلَى خلاف ذَلِك الْحق نسبناه إِلَى الْخَطَأ كَمَا يجوز الرَّمْي إِلَى الهدف بِشَرْط السَّلامَة فَإِذا أدّى إِلَى الْهَلَاك نسبناه إِلَى التَّفْرِيط وَعلمنَا خطأه فِيهِ

ثمَّ هَذَا يبطل بِهِ إِذا أَدَّاهُ الِاجْتِهَاد إِلَى خلاف النَّص مَعَ الْجَهْل بِهِ فَإِنَّهُ مَأْمُور بِمَا أدّى الِاجْتِهَاد إِلَيْهِ ثمَّ لَا نقُول بِأَن ذَلِك حق وصواب

وعَلى أَن هَذَا حجَّة عَلَيْهِم لِأَنَّهُ مَتى أَدَّاهُ الِاجْتِهَاد إِلَى شَيْء وَقَامَ الدَّلِيل عَلَيْهِ لم يجز لَهُ اعْتِقَاد غَيره وَلَو كَانَ الْجَمِيع حَقًا وصوابا لجَاز تَركه إِلَى غَيره كَمَا يجوز ترك الْعتْق فِي كَفَّارَة الْيَمين إِلَى الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة حَيْثُ كَانَ الْجَمِيع مَأْمُورا بِهِ وَلما لم يجز ذَلِك دلّ على أَن الْحق فِي وَاحِد وَمَا عداهُ بَاطِل

قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَا خلاف أَن تَرْجِيح الظَّوَاهِر المتقابلة يجوز لما لَا يجوز أَن يثبت الحكم بِنَفسِهِ وَهَذَا يدل على أَن دَلِيل الحكم هُوَ الَّذِي وَقع لَهُ الْمُقَابلَة وَأَنه إِذا تعَارض ظاهران فقد قَامَ دَلِيل كل وَاحِد من الْخَصْمَيْنِ على الحكم فَدلَّ على أَن الْجَمِيع حق

قُلْنَا لَا نسلم فَإِنَّهُ لَا يرجح عندنَا أحد الدَّلِيلَيْنِ على الآخر إِلَّا بِمَا يجوز أَن يَجْعَل دَلِيلا عِنْد الْكَشْف والتقرير

وعَلى أَن هَذَا هُوَ الْحجَّة عَلَيْهِم فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْجَمِيع صَوَابا لما طلب تَقْدِيم أحد اللَّفْظَيْنِ على الآخر بصروف من التَّرْجِيح وَلما عدلوا عِنْد التقابل إِلَى التَّرْجِيح دلّ على أَنه لَا يجوز أَن يكون مَا اقْتَضَاهُ الظَّاهِر أَن الْجَمِيع حق

قَالُوا وَلِأَن أَدِلَّة الْأَحْكَام فِي مسَائِل الْخلاف تقع متكافئة لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْقطع

أَلا ترى أَن كل وَاحِد من الْخَصْمَيْنِ يُمكنهُ أَن يتَأَوَّل دَلِيل خَصمه بِضَرْب من الدَّلِيل وَيصرف عَن ظَاهره بِوَجْه من الدَّلِيل بِحَيْثُ لَا يكون لأحد مِنْهُمَا على الآخر مزية فِي الْبناء والتأويل فَوَجَبَ أَن يكون الْجَمِيع حَقًا وصوابا

<<  <   >  >>