للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَا يجوز أَن يمْنَع من الِانْتِفَاع بِهِ كَمَا لَا يجوز للْوَاحِد منا أَن يُسَمِّي غَيره من الْمَشْي فِي ضوئه والاستظلال بظله وَلما أجمعنا على جَوَاز الْمَنْع من الِانْتِفَاع بهَا دلّ على بطلَان مَا ذَكرُوهُ

وَاحْتَجُّوا بِأَن الْحَكِيم لَا يخلق شَيْئا إِلَّا لغَرَض وَوجه من الْحِكْمَة يَقْتَضِي خلقه وَقد خلق هَذِه الْأَعْيَان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون خلقهَا ليضربها وَهَذَا لَا يَلِيق بالحكيم أَو لينْتَفع بهَا فَلَو يَخْلُو إِمَّا أَن يكون قصد نفع نَفسه وَهَذَا محَال لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج إِلَى شَيْء فَثَبت أَنه إِنَّمَا خلقهَا لينْتَفع بهَا النَّاس وَإِلَّا خرج عَن أَن يكون خلقهَا بحكمة وَصَارَ عَبَثا فتعالى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وعَلى هَذَا يدل قَوْله تَعَالَى {الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} فَأخْبر أَنه خلق الْجَمِيع لنا فَدلَّ على مَا قُلْنَاهُ

الْجَواب أَنهم بنوا ذَلِك على أصلهم فِي تَعْلِيل أَفعَال الله تَعَالَى وَنحن لَا نقُول بذلك ثمَّ هَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يجوز تَحْرِيم الْخمر وَالْخِنْزِير وَيُقَال إِنَّه لَا يَخْلُو من أَن يكون خلقهما ليضربهما وَهَذَا لَا يجوز فِي الْحِكْمَة بهما أَو لينفع نَفسه وَهُوَ غير مُحْتَاج إِلَى شَيْء أَو لينفع بهما النَّاس فقد حرمهما عَلَيْهِم فَيجب أَن يكون عَبَثا وَلما بَطل هَذَا بعد التَّحْرِيم بِالشَّرْعِ بَطل قبل التَّحْرِيم بِالشَّرْعِ

وعَلى أَنه يجوز أَن يكون خلقهما ليمتحنهم بالكف عَنْهَا ليثبتهم على ذَلِك أَو خلقهَا ليستدل بهَا على أَن لَهَا خَالِقًا أَو خلقهَا لقوم آخَرين يأْتونَ بعدهمْ أَو خلقهَا ليوصلهم إِلَى الِانْتِفَاع بهَا على صفة مَخْصُوصَة كَمَا خلق لَهُم الْجنَّة ليوصلهم إِلَيْهَا على صفة مَخْصُوصَة وَإِذا احْتمل هَذِه الْوُجُوه لم يجز أَن يحمل الْأَمر فِيهَا على الْإِبَاحَة وَلَا على الْحَظْر وَلَا على الْعَبَث

وَأما الْآيَة فَنحْن نقُول بهَا لِأَنَّهُ خلق ذَلِك لنا وَلَكِن ليوصله إِلَيْنَا على الْوَجْه الَّذِي بَيناهُ فَسقط مَا قَالُوهُ

قَالُوا وَلِأَن الْمُبَاح مَا لَا ثَوَاب فِي فعله وَلَا عِقَاب فِي تَركه

<<  <   >  >>