بما أمامهم من الهول العظيم، والعذاب الأليم، والوعيد الذاهل لأهله. فإذا طبخ بالنار لم يبق للشيطان نصيب، ولم يكن له سلطان في صدره، حتى يجىء بتلك النار، وهي نار ذات زينة وبهجة وشهوة، فيأخذ منها العدو، وفتنتها في الصدر في وقت سلطانه، وإنما يكون سلطانه مع نصيبه من الشراب، فلم يقدر على فتنته إذا ذهب نصيبه.
وأما قوله:(ونَهى أن يعصر الخمر) فهو أن يعصر العنب على نية الخمر، فهو حرام عليه، وأما شرب العصيرن فلا بأس به مالم يغل. وإنما نهى عن أن يعصر الخمر، أى للخمر. وكذلك بيعه وشراؤه وثمنه وحمولته.
وقوله:(يسقى الصبيان) ، يعني في الدواء، وأن الله لم يجعل الشفاء فيما حرم عليكم.
وقوله:(عاصرها ومعتصرها) ، إذا عصرها للخمر. والعاصر هو الفاعل له، والمعتصر هو الذي يعصر له. وشاربها، وساقيها، وحاملها؛ فهؤلاء شركاء في هذه الحرمة.
وقال:(شاربُها كعابد الوثن) لا عقل لهما، قد أحاط فرح العباد لهما بقلبه، وشارب الحمر قد صار في هذا الوقت مسلوب العقل ممتلئا فرحا من ذلك الشراب، فاشتبها في صفة الحال، لا في الملة؛ لأن هذا مسلم، وذاك كافر. ولكنه شبهه به لسلب العقل وفرحه به، فكان المشركون يفرحون بآلهتهم.. ألا ترى إلى قوله (كَأَنَّهُم إٍلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) ، والوفض السرعة في النهوض كالرمل. وروى عن الحسن رحمه الله أنه قال: يبتدرون آلهتهم أيهم يستلمها قبل.