وكذلك في شأن إبراهيم عليه السلام؛ حيث كسر الأصنام، ثم قيل له: أأنت فعلت هذا بآلهنتا يا إبراهيم؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا. فابتلى بالحريق، ثم جعلها عليه بردا وسلاما، وأبرز صبره وبذل نفسه لله في العالمين. وقال في شأن خروجه إلى الصيد: إنى سقيم. فابتلى بذبح ابنه، ثم خلصه وفداه بذبح عظيم، وقال في شأن سارة حيث مر بها على الملك فقال: هى أختى. فابتلى بفراق إسماعيل وهاجر.
وكذلك في شأن موسى عليه السلام، ومثل هذا كثير. فوجد يعقوب يوسف عليهما السلام مر تهنا بما سلف متعلقا بحكم الله بحق الله، فلم يستجر أن يناديه نداء النادبين، وهاج منه الشوق إليه والحنين من النفس لحبه إياه، ومعاذ الله أن يتوهم على يعقوب عليه السلام أن حبه كان مذموما شهوانيا، وإنما أحبه من بين ولده لحب الله فيه.. أفليس قد ظهرت الحبية فبرز على جميع إخوته: علماً، وحلماً، وكرماً، وصحفاً، وبراً، وتقوى، وعبودية، وبذلاً، وسخاء، وجمالا في معالى الأخلاق.
وكذلك وجدنا فاطمة رضى الله عنها، فحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها لحبية الله فيها من بين ولده.
وكذلك نجد أولاد الأنبياء لهم تفاوت ولهم أثرة، فإذا تلك الأثرة ليست من الآباء من قبل نفوسهم الميالة بالهوى والشهوة، وإنما ذلك بقلوب طاهرة، وأفئدة زكية، وصدور عالمة بتلك الأشياء؛ فتميل قلوبهم إلى بعض أولادهم دون بعض من أجل حظ لهذا الولد عند الله ما ليس لغيره..