فقد دل ذلك على أن هذه الأشياء من الحزن والدمع خارج من هذه الأشياء؛ فإن الرسول عليه السلام شدد في ذلك بدءاً حتى عقل الناس وفقهوا في الدين، فوسع الأمر عليهم في إسبال الدموع، وفي الاجتماع، واتخاذ الطعام؛ شفقة على أهل الميت.
فكل ما كان لله فهو حسن؛ فإذا أصاب المسلم مصيبة قعد للتعزية هو وأهل بيته، معظمين الموت، ولهذا الميت الذي خلا منه مصلاه، وآثار إسلامه وبركة عبودته. وتحازنوا على ما دخل من النقص في عدد المسلمين؛ فإن فقد رجل من المسلمين أعظم من فقد الدنيا بما فيها من الزينة والنعم. فقعد ليعزى، أو لئلا يشتد على إخوانه عن المسلمين طلبه وتتبع الأبواب في لقائه، فقعد على هذه النية؛ فهو مأجور. فإذا رق وبكى فهو مأجور؛ لأنه إن لم يرسل دمعته رجع ذلك الحزن على نفسه وذلك مما يضر به فإذا فعل ذلك على هذا القصد فهو مأجور. وهو فعل المسلمين: رحموا، ورقعوا، وحزنوا، وبكوا، وطعموا، واجتمعوا، وزاروا القبور، وسلموا على الموتى، ودعوا، وعظموا أمر الميت وأمر الله، وسلموا إليه أمرهم قلباً، واطمأنوا إلى فعله، طيبة بذلك نفوسهم. وأكرمت هذه الأمة بفضل الإسترجاع، فأنه لم يعط أمة هذا. فهذا سبيل المهتدين الصابرين.
وأما من بكى رياء، وجمع الناس للمراءاة، والتزين، والفخر، والخيلاء، واتخذ على ذلك طعاما، وباهى، وقعد للتعزية للتكبر والعلو؛ فهذا أمر الجاهلية.
قال: وسمعت أبا يعلى يقول: سمعت الحسن بن الربيع يقول: أخذ ابن المبارك من أيوب السختيانى أمرين من أمر الناس: مات يعلى بن عطاء ولم يترك