فالمشتغلون بنفوسهم فرحوا بما فضلهم الله به من الإسلام ومن عليهم؛ والمشتغلون بالله انكشف لهم الغطاء، وفرحوا بالله، وتاهت قلوبهم في جلال الله؛ ففرحوا بأديانهم، قال الله تعالى:(كُلُ حِزِبٍ بِمَا لَدَيهِم فَرِحُون) . فخابوا حين استعملوا هذا الفرح الذى أعطوا في دين تلقوه من الشيطان.
فلما جاء الله بالإسلام، وبعث محمداً رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبب الفرح والرحمة، أمره بمحق كل فرح فرح به أهل الباطل؛ فأمره بكسر الأوثان والصلبان، وأمره بحق العازف والمزامير، وكل ذي وتر؛ لأن ذلك فرح فيه حظ الشيطان؛ وجعل الفرح بيده، فهو يمزجها في هذه الأصوات؛ حتى يضربوا بذلك حظ الشيطان؛ حتى لا يكون فرح إلا بالله وبالعبودية له. فمنهم من فرح بالعبودة، ولم يكن له طريق إليه فيفرح به، ومنهم من فرح بالله.
فهذا سبب تحريم العازف، واللعب بكل ما يلهى عن الله. ويوضع كل هذا في الميزان في كفة الباطل.
والمعازف كل ما تجد نفسك لصوته إذا حرك عزوفا، فالعزوف سلطان الشهوة، وإنما صار كذلك لأن الشهوة التى فيك إنما هى من المحفوفة بباب النار بالشهوات، فتلك خلقها الله ذات زينة وضياء وبهجة فتنة للعباد، وقسم للعدو منها حظا، وجعل للآدميين حظا. فحظوظ الآدميين، في أجوافهم، وحظ العدو عنده؛ فإذا مازج بحظه حظوظ الآدميين، اهتاجت شهوات