قيل للعندليب إذا صوت إنه ليترنم. وإنما قيل غناء لأنه إذا صوت به فإذا ارخى في حلقه صوته عن به، أي دخل خيشومه، فغض من صوته ثم أرسله فجهر به حتى يكون ذا ألوان؛ فهو مأخوذ من الغنة لأنه اغتن بالحروف والصوت ثم أبرزه ليتلون. وكذلك خلق ابن آدم، إنما يعظم الأمر عنده بالتلون ليتجدد، لأن كل لون يرد فهو جديد طرى. وإذا كان لون واحد عتق عند النفس وخلق فيبرمه. فتلون الأشياء من أجل النفس؛ لأنها ملولة سريعة الملل؛ لأنها ضعيفة خفيفة شهوانية طياشة، لا تكاد تصاير الأشياء سعة وغناء، كفعل القلب؛ فإن القلب ذو وقار وسكينة وغناء وطمأنينة، وإنما تلونت الأشياء من أجل أن يتهنى بها.
حدثنا سليمان بن أبي هلال الذهبي، حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي أخو وهيب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب، عن أبي لبابة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منّا من لم يتغن بالقرآن) . يا أبا محمد، أريت من كان منا ليس بحسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع. فالغناء، والشعر، والحداء، والرجز، جرت الأخبار باجتناب ذلك والزجر عنه، فنظرنا كيف هذه الأخبارن فوجدنا هذه الأشياء إنما هي أصوات فيها كلام ومعان؛ فما كان من ذلك لله بالقرآ، وبالكلام المرضي، فهو محمود.
وماكان للنفس والدنيا فهو مذموم. فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر حيث هجا حسان بن ثابت المشركين، وكذلك كعب بن مالك، وابن رواحة، وقال:(لكأنما تنضحونهم بالنبل) .