للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعُمَرَ يَرْشُدُوا» (١)، وهذا في بعض الصحابة أيضًا.

أما الدليل الثاني الذي يرجع إلى المعنى: فهو ما ذكره ابن القيم ـ رحمه الله ـ، قال: «إننا والصحابة نشترك في مدارك، وينفصلون عنا بمدارك، والمدارك التي ينفصلون عنها كالتالي، وذلك أن الصحابي إذا قال قولا، يحتمل أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أنه سمعه ممن سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أنه ينقل إجماعا في زمانهم، ويحتمل أنه فهمٌ ظهر له لم يظهر لنا، ويحتمل ـ هذا احتمال خامس ـ أنه أمْرٌ دلت عليه اللغة، وهم أئمة في باب اللغة، وعرفوه بالسياق واللغة وغير ذلك، وهذه الاحتمالات الخمسة تدل على أن قوله حجة.

قالوا: هناك احتمالٌ سادسٌ: أن يكون اجتهد الصحابي فأخطأ، لكن هذه الأمور الستة ـ وهي المدارك التي انفصلوا بها عنا ـ تدل على أن قولهم حجة من باب الظن الغالب، والظن الغالب حجةٌ في الشريعة. هذه مدارك انفصلوا بها عنا (٢).

وهناك مدارك اشتركنا نحن وإياهم فيها، لكن الفرق بينا وبينهم فيها كالفرق بين السماء والأرض، وذلك يُعرف بما ذكره ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ،: أن الواحد منا إذا أراد أن يدرس اللغة، أخذ من ذهنه شعبة، أما الصحابي فهي سليقته التي نشأ عليها، والحديث أخذ من ذهنه شعبة، أما الصحابي يقول: رأيت محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وقال محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وعلم الأصول أخذ من ذهنه شعبة، أما الصحابي لا يحتاج إلى ذلك، إلى أن قال بعد ذلك: ثم إذا انتهينا من هذا كله، وصلنا بأذهان قد كلَّت وتعبت، ومنا من يجدّ المسير، ومنا من لا يجدّ المسير، فهذا كله ليس عند الصحابي (٣).


(١) أخرجه مسلم (٦٨١).
(٢) انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (٦/ ١٩ - ٢١).
(٣) انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (٦/ ٢١ - ٢٢).

<<  <   >  >>