للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدليل على هذا: أن الله سبحانه قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}، قال ابن القيم: والقول الخطأ منكرٌ من وجه، فلو كان هذا القول مرجوحًا عند هذا الصحابي، فلا بد أن ينكر عليه صحابي آخر، فلما لم ينكر عليه صحابي آخر، دل على أن قوله ليس مرجوحًا، ولا يمكن أن ينقل الله لنا القول المرجوح، ويدع القول الراجح؛ وهو أمرنا باتباع سبيل المؤمنين (١).

وهذا الضابط إذا تأمَّله الناظر استطاع أن يميِّز بين القول الذي يُرَدُّ؛ لأنه مخالفٌ للنص، والقول الذي يُقبل؛ لأنه تفسيرٌ للنص، وما أكثر الاضطراب والاختلاف في مثل هذا، لكن إذا ضُبط هذا الضابط الذي ذكره ابن القيم اتضح الأمر جليا، و كان الدارس والناظر سائرا على خط مستقيم بلا اضطراب ولا تناقض.

وقبل ذكر الأمثلة، ليعلم أنه قد يُتنازع في بعض الأمثلة: هل هي من ابتداء الحكم: أي من القسم الأول، أو من القسم الثاني؟ وقد يحصل شيء من النزاع في الفهم، لكن من حيث الجملة، سواء كان من القسم الأول أو الثاني، فإنه على كلا الحالين حجة.

المثال الأول: أخرج الشيخان من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» (٢).

فقد ثبت عند أبي داود عن ابن عباس، أنه خصه بصيام النذر (٣)، إذن هذا من باب تفسير النص؛ لأن ابن عباس لم يخالَف، فيُحمل هذا الحديث على صيام النذر.


(١) انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (٥/ ٥٦٩).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٥٢)، ومسلم (١١٤٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٤٠١)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (٢٤٠١) طبعة المعارف.

<<  <   >  >>