وأكثر الشعراء يلتزمون هذا التشبيه.
قال أبو شجاع أحد بني سلامان بن مفرج من الأزد:
فلم أرَ إلا الخيلَ تعدُو كأنمَا ... سنورهَا فوق الرؤوسِ الكواكبُ
وربما كان الشعراء يأخذون في تشبيه شيء بشيء، والشبه بين هذين الشيئين من جهة ما، فيأتي شاعر آخر بتشبيه من جهة أخرى، فيكون ذلك تصرفاً أيضاً.
مثال ذلك أن جل الشعراء يشبهون الدرع بالغدير الذي تصفقه الرياح، كما قال أوس بن حجر:
وأملسَ صوليَّاً كنهيِ قرارَةٍ ... أحسَّ بقاعٍ نفحَ ريحٍ فأجْفَلا
وقال آخر:
وعلىَّ سابغةُ الذيولِ كأنهَا ... سوقُ الجنوب حبابَ نهيٍ مفرطِ
وكثير من الشعراء ينحون في تشبيه الدروع هذا المنحى، وإنما يذهبون إلى الشكل، وذلك ن الريح تفعل بالماء في تركيبها إياه بعضاً على بعض ما يشبهه في حال التشكيل بحال الدرع في مثل هذا الشكل، فقال سلامة بن جندل عادلاً عن تشبيه الشكل إلى تشبيه اللين، وذلك أن اللين من دلائل جودة الدرع لصغر قتيرها وحلقها:
فألقًوا لنا أرسانً كل نجيبةٍ ... وسابغةٍ كأنهًا متن خرنق
وقال يذكر بريقها، وهو وجه غير الوجهين الأولين:
مداخلةٍ منْ نسجِ داؤدَ سكُّها ... كمنكب ضاحٍ من عمايةَ مشرقِ
ومن التشبيه الجيد للحكم الخضري يصف غليان القدر بما فيها من قطع اللحم:
كأنَّ جذولَ الناب فيها إذا غلتْ ... دعاميصُ تخشى صائِداً فتعومُ
ولقيس بن زهير:
كأنَّ خذاريفَ السواعدِ بيننا ... مغالي غواة يلعبونَ بها لعبَا
وللزفيان أحد بني عوافة بن سعد بن زيد:
وقد سقوهنَّ سجَالاً فاستقوْا ... منْ أجنٍ كأنهنَّ الزنبقُ
ثم لنتبع القول في التشبيه القول في الوصف.