وقد يضع الناس في باب أوصاف المعاني: الاستغراب والطرفة. وهو أن يكون المعنى مما لم يسبق إليه على جهة الاستحسان.
وليس عندي أن هذا داخل في الأوصاف، لأن المعنى المستجاد إنما يكون مستجاداً إذا كان في ذاته جيداً، فإما أن يقال له: جيد، إذا قاله شاعر من غير أن يكون تقدمه من قال مثله، فهذا غير مستقيم، بل يقال لما جرى هذا المجرى: طريف وغريب، إذا كان فرداً قليلاً، فإذا كثر لم يسم بذلك.
وغريب وطريف، هما شيء آخر غير حسن أو جيد، لأنه قد يجوز أن يكون حسن جيد: غير طريف ولا غريب، وطريف غريب: غير حسن ولا جيد، فأما حسن جيد غير غريب ولا طريف، فمثل تشبيههم الدروع بحباب الماء الذي تسوقه الرياح، فإنه ليس يزيل جودة هذا التشبيه تعاور الشعراء إياه قديماً أو حديثاً، وأما غريب وطريف لم يسبق إليه، وهو قبيح بارد، فملء الدنيا، مثل أشعار قوم من المحدثين سبقوا إلى البرد فيها.
والذي عندي في هذا الباب أن الوصف فيه لاحق بالشاعر المبتدئ بالمعنى الذي لم يسبق إليه لا إلى الشعر، غذ كانت المعاني مما لا يجعل القبيح منها حسناً سبق السابق إلى استخراجها، كما لا يجعل الحسن قبيحاً الغفلة عن الابتداء بها، وأحسب أنه اختلط على كثير من الناس وصف الشعر بوصف الشاعر، فلم يكادوا يفرقون بينهما، وإذا تأملوا هذا الأمر نعماً، علموا أن الشاعر موصوف بالسبق إلى المعاني واستخراج ما لم يتقدمه أحد إلى استخراجه، لا الشعر.
[نعت ائتلاف اللفظ مع المعنى:]
ولنتبع ذكر المعاني، وهو القسم الرابع من أقسام الشعر المفردات: ذكر الأربعة المركبات، التي قدمنا القول فيها في أول الكتاب، ولنبدأ بأولها وهو: