فقد جمع في هذه الأبيات المرثية بجميع الفضائل، ووضع الشيء من ذلك في موضعه.
ومن المراثي التي تشبه في المديح اقتضاب المعاني واختصار الألفاظ، ما قاله أوس في قصيدته يرثي فضالة التي أولها:
ألم تكسفِ الشمسُ شمسُ النها ... رِ مع النجمِ والقمرِ الواجب
لهلك فضالةَ لا تستوي ال ... فقودُ ولا خلةُ الذاهبِ
وأفضلتَ في كلِّ شيءٍ فما ... يقاربُ سعيكَ من طالبِ
نجيحٌ مليحٌ أخو ماقطٍ ... نقابٌ يخبرُ بالغائبِ
ويكفي المقالةَ أهلَ الدحَا ... لِ غيرُ معيبِ ولا عائبِ
في ظاهر النظر أن يظن بنا خطأ في وضعنا مليح موضع المدح بالفضائل الحقيقية، إذ كانت الملاحة لا تجري مجرى الفضائل النفسية، لأن المليح في هذا الموضع ليس هو من ملاحة الخلق، لكنه على ما حكى عن أبي عمرو أنه المستشفى برأيه، قال: وهو من قولهم: قريش ملح الأرض، أي الذي يستشفى بهم، والذي يشهد على ما قاله أبو عمرو قول أوس بن حجر:
نقاب يخبر بالغائب
لأن هذا من جنس الرأي والحدس.
وقول الشماخ في عمر بن الخطاب:
فمَنْ يسعَ أو يركبْ جناحيْ نعامةٍ ... ليدركَ ما قدمتَ بالأمسِ يسبقِ
وقول الحطيئة يرثي علقمة بن علاثة:
فما كان بينِي لو لقيتكَ سالِماً ... وبينَ الغنَى إلا ليالٍ قلائلُ
ولو عشتَ لم أمللْ حياتِي وإن تمتْ ... فما في حياةٍ بعد موتكَ طائلُ
ومنهم أيضاً من يغرق في وصف فضيلة واحدة على حسب ما تقدم، وتكون جميع الأحوال في المراثي جارية على حسب أحوال المديح، وفي ما تقدم في باب المديح من وصف ذلك ما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ولنتبع كلامنا في المراثي الكلام في التشبيه.
[نعت التشبيه]
يجب أن نذكر أولاً معنى التشبيه، ثم نشرع في وصفه، فنقول: إنه من الأمور المعلومة أن الشيء لا يشبه ولا بغيره من كل الجهات، إذ كان الشيئان إذا تشابها من جميع الوجوه ولم يقع بينهما تغاير البتة اتحدا، فصار