[نعت الوصف]
أقول: الوصف إنما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات، ولما كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعاني، كان أحسنهم وصفاً من أتى في شعره بأكثر المعاني التي الموصوف مركب منها، ثم بأظهرها فيه وأولاها، حتى يحكيه بشعره، ويمثله للحس بنعته.
فمن ذلك قول الشماخ يصف أرضاً تسير النبالة فيها:
خلتْ غيرَ آثارِ الأراجيلِ ترتمِي ... تقعقعُ في الآباط منها وفاضهَا
فقد أتى في هذا البيت بذكر الرجالة وبين أفعالها بقوله: ترتمي، وعن الحال في مقدار سيرها بوصفه تقعقع الوفاض، إذ كان في ذلك دليل على أنه الهرولة أو نحوها من ضروب السير، ودل أيضاً على الموضع الذي حملت فيه هذه الرجالة الوفاض، وهي أوعية السهام، حيث قال: في الآباط، فاستوعب أكثر هيئات النبالة، وأتى في صفاتها بأولاها وأظهرها عليها وحكاها، حتى كأن سامع قوله يراها.
ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي يصف حال السيل عند إقلاع السحاب وسكون المطر:
لكلِّ مسيلٍ من تهامَةَ بعد ما ... تقطعَ أقرانُ السحابِ عجيجُ
ومنه قول رجل من هذيل يصف حال القوم في الحرب عند الجلاد:
كغماغمٍ الثيرانٍ بينهمٌ ... ضربٌ تغمضٌ دونهُ الحدقُ
ومثله قول معاوية بن خليل النصري، من نصر بن قعين، يذكر نباهة حيه، وأنه أشهر من حذلم، حي آخر:
فنحن الثريَّا وعيوقهَا ... ونحنُ السماكانِ والمرزمُ
وأنتم كواكبُ مجهولةٌ ... تُرى في السماءِ ولا تعلمُ
ولدريد بن الصمة يصف آثار خيل وإبل، اطردها فنجا بها:
ألا هلْ أتاهُ ما ركبنا جيادَه ... ومَا قد عقرنَا من صفيٍّ ومن قرمِ
وأصبحنَ قد جاوزنَ أسفلَ ذي حُساً ... وآثارهَا فوقَ المضيح كالرقمِ