للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن يقال فيه: مضرور، وارى إنما يدخل في هذا الباب.

ومن التناقض قول ابن الرمة:

تراهُ إذا أبصرَ الضيفَ كلبهُ ... يكلمهُ من حبّه وهو أعجمُ

فإن هذا الشاعر أقنى الكلب الكلام، في قوله: أنه يكلمه، ثم أعدمه إياه عند قوله: إنه أعجم، من غير أن يزيد في القول ما يدل على أن ما ذكره إنما أجراه على طريق الاستعارة، فإن عذر هذا الشاعر ببعض المعاذير، إذ كانت الحجج كثيرة، فهلا قال كما قال عنترة العبسي:

فازورَّ من وقعِ القَنا بلبانهِ ... وشكَا إلى بعبرةٍ وتحمحمِ

فلم يخرج الفرس عما له من التحمحم إلى الكلام، ثم قال:

لو كانَ يدرِي ما المحاورةُ اشتكَى ... ولكان، لو علِم الكلامَ، مكلمِي

فوضع عنترة ما أراده في موضعه.

[التناقض على طريق الإيجاب والسلب]

ومما جاء في الشعر من التناقض على طريق الإيجاب والسلب، قول عبد الرحمن بن عبد الله القس:

أرى هجرهَا والقتلَ مثلينِ فاقصرُوا ... ملامكمُ فالقتلُ أعفَى وأيسرُ

فأوجب هذا الشاعر الهجر والقتل أنهما مثلان، ثم سلبهما ذلك بقوله: إن القتل أعفى وأيسر، فكأنه قال: إن القتل مثل الهجر، وليس هو مثله.

وأرى أن هذا الشاعر أراد أن يقول: بل القتل أعفى وأيسر، ولو قال: بل لكان الشعر مستقيماً، لأن مقام لفظة: بل مقام ما ينفي الماضي ويثبت المستأنف، لكنه لما لم يقلها، وأتى بجمع الإثبات ونفيه استحال شعره.

وليس إذا علمنا أن شاعراً أراد لفظة تقيم شعره، فجعل مكانها لفظة تحيله وتفسده، وجب أن يحتسب له ما يتوهم أنه أراده، ويترك ما قد صرح به، ولو كانت الأمور كلها تجري على هذا لم يكن خطأ.

وأرى أن مما يجري هذا المجرى قول يزيد بن مالك الغامدي، حيث قال:

أكفُّ الجهلَ عن حلماءِ قومي ... وأعرضُ عن كلامِ الجاهلينَا

ثم قال في هذه القصيدة بعد هذا البيت:

إذا رجلٌ تعرضَ مستخِفاً ... لنا بالجهلِ أوشكَ أن يحينَا

<<  <   >  >>