فقد أتينا من ذكر نعوت الأغراض التي تنتحيها الشعراء من المعاني، وهي المديح والهجاء وغيرهما، مما عددناه وشرحنا أحواله على ما فيه كفاية لمن له فهم وعنده نظر وفحص.
وهذه المعاني التي ذكرناها من أغراض الشعراء إنما هي أجزاء من جملة المعاني، وتكلمنا به فيها مع ما بيناه من أحوالها مثالاً لغيرها، واعتباراً فيما لم نذكره منها.
[المعاني الشعرية]
فأما ما يعم جميع المعاني الشعرية، فالآن حين نبتدئ بذكر ذلك وتعديده.
فمن ذلك
صحة التقسيم.
[صحة التقسيم]
وهي أن يبتدئ الشاعر فيضع أقساماً فيستوفيها، ولا يغادر قسماً منها.
مثال ذلك قول نصيب، يريد أن يأتي بأقسام جواب المجيب عن الاستخبار:
فقالَ فريقُ القوْم: لا، وفريقُهُمْ: ... نعمْ، وفريقٌ قالَ: ويحكَ ما ندرِي
فليس في أقسام الإجابة عن مطلوب، إذا سئل عنه، غير هذه الأقسام، ومثال في ذلك أيضاً قول الشماخ يصف صلابة سنابك الحمار، وشدة وهصه الأرض.
متى ما تقعْ أرساغهُ مطمئنةَ ... على حجرٍ يرفضِّ أو يتدحرجِ
فليس في أمر الوطء الشديد إلا أن يوجد الذي يوطأ، رخواً فيرض، أو صلباً فيدفع.
ومثال ذلك أيضاً قول الأسعر بن حمران الجعفي يصف فرساً على هيئته من جميع جهاته:
أمَّا إذَا استقبلتهُ فكأنهُ ... بازٌ يكفكفُ أن يطيرَ وقد رأَى
أمَّا إذا استدبرتَهُ فتسوقهُ ... ساقٌ قموصُ الوقعِ عاريةُ النسَا
أما إذا استعرضته متمطراً ... فتقول هذا مثل سرحان الغضا
فلم يدع هذا الشاعر قسماً من أقسام النصبة التي ترى في الفرس، إذا رئي عليها، إلا أتى به، وقد يجوز ان يظن ظان في قولنا: إن هذا الشاعر قد أتى بجميع الأقسام: ليس بحق، إنه إذا كان الفرس أحد الأجسام، وكل جسم فله ست جهات، فإذا ذكرت حال أربع منها بقيت جهتان لم تذكرا، وحل هذا الشاك، إن وقع من أحد، هو أن هذا الشاعر إنما وصف فرساً لا جسماً