وهما أن يذكر في الشعر شيء، فيجمع بينه وبين المقابل له من جهة واحدة، والأشياء تتقابل على أربع جهات:
إما على طريق المضاف، ومعنى المضاف هو الشيء الذي إنما يقال بالقياس إلى غيره، مثل الضعف إلى نصفه، والمولى إلى عبده، والأب إلى ابنه، فكل واحد من الأب والابن والمولى والعبد والضعف والنصف يقال بالإضافة إلى الآخر، وهذه الأشياء من جهة ما أن كل واحد منها يقال بالقياس إلى غيره، هي من المضاف، ومن جهة أن كل واحد منها بإزاء صاحبه كالمقابل له، فهي من المتقابلات.
وإما على طريق التضاد، مثل: الشرير للخير، والحار للبارد، والأبيض للأسود.
وإما على طريق العدم والقنية، مثل الأعمى والبصير، والأصلع وذي الجمة. وإما على طريق النفي والإثبات، مثل أن يقال: زيد جالس، زيد ليس بجالس.
فإذا أتى في الشعر جمع بين متقابلين من هذه المتقابلات، وكان هذا الجمع من جهة واحدة، فهو عيب فاحش غير مخصوص بالمعاني الشعرية، بل هو لاحق بجميع المعاني، وأعني بقولي: من جهة واحدة: ا، هـ قد يجوز أن يجتمع في كلام منثور أو منظوم متقابلان من هذه المتقابلات، ويكون ذلك الاجتماع من جهتين لا من جهة واحدة، فيكون الكلام مستقيماً غير محال ولا متناقض، مثال ذلك أن يقال في تقابل المضاف: إن العشرة مثلاً ضعف وإنها نصف، لكن يقال: إنها ضعف لخمسة ونصف لعشرين، فلا يكون ذلك محالاً إذا قيل من جهتين، فأما من جهة واحدة كما إذا قيل: إنها ضعف ونصف لخمسة فلا.
وكذلك يجوز أن يجتمع المتقابلات على طريق العدم والقنية من جهتين، مثال ذلك أن يقال: زيد أعمى بصير القلبن فيكون ذلك صحيحاً، فأما من جهة واحدة، كما لو قيل في إنسان: واحد إنه أعمى العين بصيرها، فلا.
وكذلك في التضاد أن يقال في الفاتر: حار عند البارد، وبارد عند الحار، فأما عند أحدهما فلا.
وفي النفي والإثبات أن يقال: زيد جالس، في وقته الحاضر الذي هو فيه جالس، وغير جالس في الوقت الآتي الذي يقوم فيه إذا قام، فذلك جائز، فأما في وقت واحد وحال واحدة جالس وغير جالس فلا.
ولهذه العلة يجوز ما يأتي في الشعر على هذه السبيل، مثل ما قال خفاف بن ندبة:
إذا انتكثَ الحبلُ ألفيتَه ... صبورَ الجنانِ رزيناً خفيفَاً