لهما في وصف من الأوصاف أنه أراد شيئاً آخر، فإن القائل مثلاً في شيء إنه قد تبرأ من شيء كما تتبرأ الشعرة من العجين، قد يجوز أن يصرف قوله هذا على وجهين: أحدهما: أن يظن أنه أراد ذات تبرؤ شيء، ويجوز أن يظن أنه إنما أراد تبرؤ الأسود من الأبيض، لأن في الشعرة والعجين جسماً يجوز أن يتبرأ من جسم، وسواداً وبياضاً، فأما الليل والنهار فليس هما غير سواد وبياض فقط، فأما جسم يتبرأ من جسم فلا. التناقض على طريف المضاف: ومما جاء في الشعر من التناقض على طريق المضاف، قول عبد الرحمن ابن عبد الله القس:
فإنِّي إذا ما الموتُ حلَّ بنفسِها ... يزالُ بنفسِي قبلَ ذاكَ فأقبرُ
فقد جمع بين قبل وبعد، وهما من المضاف، لأنه لا قبل إلا لبعد، ولا بعد إلا لقبل، حيث قال: إنه إذا وقع الموت بها، وهذا القول كأنه شرط وضعه ليكون له جواب يأتي به، وجوابه هو قوله: يزال بنفسه قبل ذاك، وهذا شبيه بقول قائل لو قال: إذا انكسر الكوز انكسرت الجرة قبله، ومنزلة هذا التناقض عندي فوقه منزلة جمع المتقابلين في الشناعة، لأن هذا الشاعر جعل ما هو قبل بعداً.
[التناقض على طريق القنية والعدم]
ومما جاء في الشعر من التناقض على طريق القنية والعدم، قول ابن نوفل:
لأعلاجٍ ثمانيةٍ وشيخٍ ... كبيرِ السنِّ ذي بصرٍ ضريرٍ
فلفظة: ضرير إنما تستعمل - وهي تصريف فعيل من الضر - في الأكثر للذي لا بصر له، وقول هذا الشاعر في هذا الشيخ: إنه ذو بصر وإنه ضرير، تناقض من جهة القنية والعدم، وذلك أنه كأنه يقول: إن له بصراً ولا بصر له، فهو بصير أعمى.
فإن قال قائل: إنه ضرير، راجع على البصر بأنه أعمى، فالعرب أولاً إنما تريد بضرير الإنسان الذي قد لحقه الضر بذهاب بصره لا البصر نفسه، وأيضاً فليس البصر هو العين التي يقع عليها العمى بل ذات الإبصار، وذات الإبصار لا يقال: إنها عمياء، كما لا يقال: إن حدة السيف كليلة، بل إنما يقال: إن السيف كليل، لأن الحدة، لا تكل، وكذلك البصر لا يعمى، ولكن هو في توسع اللغة، وتسمح العرب في اللفظ جائز على طريق المجاز، وقد جاء في أقوى المواضع حجة، وهو القرآن في قوله عز وجل فإنها لا تعمي الأبصار ولكنه إذا جاز في البصر أن يقال: أعمى، فلا أراه يجوز