يغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأم الصقر مقلات نزور
[ذكر عيوب الهجاء]
كما أن معرفة رداءة المدح قد كان سهلها معرفة جيدة، فكذلك عيب الهجاء يسهل الطريق إلى العلم به ما تقدم في باب نعته، وجماع القول فيه: أنه متى سلب المهجو أموراً لا تجانس الفضائل النفسية كان ذلك عيباً في الهجاء، مثل أن ينسب إلى أنه قبيح الوجه، أو صغير الحجم، أو ضئيل الجسم، أو مقتر، أو معسر، أو من قوم ليسوا بأشراف، إذا كانت أفعاله في نفسه جميلة، وخصاله كريمة نبيلة، أو أن يكون أبواه مخطتين، إذا كان مصيباً، أو غويين، إذا وجد رشيداً سديداً، أو بقلة العدد، إذا كان كريماً، أو بعدم النظار، إذا كان راجحاً شهماً، فلست أرى ذلك هجاء جارياً على الحق.
ومما يدل على ذلك، بعد القياس الصحيح، والنظر الصريح، أشعار وأقوال أعددها، فمنها ما أنشدناه أبو العباس أحمد بن يحيى، ثعلب:
رأت نضو أسفار أميمة قاعداً ... على نضو أسفار فجن جنونها
فقالت: من أي الناس أنت ومن تكن ... فإنك راعي ثلة لا نزينها
فقلت لها: ليس الشحوب على الفتى ... بعار ولا خير الرجال سمينها
فهذا صريح في أن القبح والشحوب والسماجة ليست بعار.
ومن هذا أيضاً قول بعضهم في ابن له ازدراه رجال، فمنعهم من نعمه، وقد أغاروا عليها:
رأوه فازدروه وهو خرق ... وينفع أهله الرجل القبيح
ومن الأبيات الأول في أن قلة المال ليست عاراً قوله:
عليك براعي ثلة مسلحبة ... يروح عليه محضنها وحقينها
سمين الضواحي لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها
وللسموأل في أن قلة العدد ليس عيباً ولا سبة:
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثيرين ذليل