للشيء أن يكون عليه، وليس خارجاً عن طباعه إلى ما لا يجوز أن يقع له، لأن الذي كنا قلنا: إنه جائز، مثل قول النمر بن تولب:
تظلُّ تَحفرُ عنهُ إن ضربتَ بهِ ... بعد الذراعينِ والساقينِ والهادِي
فليس خارجاً عن طباع السيف أن يقطع الذراعين والساقين والهادي. وأن يؤثر بعد ذلك ويغوص في الأرض، ولكنه مما لا يكاد أن يكون: وكذلك ما قلناه فيما قال مهلهل:
فإنه أيضاً ليس يخرج عن طباع أهل حجر أن يسمعوا الأصوات من الأماكن البعيدة، ولا خارج عن طباع البيض أن تصل ويشتد طنينها بقرع السيوف إياها، ولكن يبعد بعد المسافة بين موضع الوقعة وحجر بعداً لا يكاد يقع.
وليس في طباع الإنسان أن يعيش أبداً، وأيضاً فإنا كنا قد قدمنا أن مخارج الغلو إنما هي على يكاد وليس في قول أبي نواس: عش أبداً، موضع يحسن فيه، لأنه لا يحسن على مذهب الدعاء أن يقال: يا أمين الله تكاد تعيش أبداً.
مخالفة العرف:
ومن عيوب المعاني: مخالفة العرف، والإتيان بما ليس في العادة والطبع، وذلك مثل قول المرار:
وخالٍ على خديك يبدُو كأنَّهُ ... سنا البدْر في دعجاءَ بادٍ دجونهَا
فالمتعارف المعلوم أن الخيلان سود، أو ما قاربها في ذلك اللون، والخدود الحسان إنما هي البيض، وبذلك تنعت، فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى.
ومن هذا المجلس قول الحكم الخضري:
كانتْ بنُو غالبٍ لأمتها ... كالغيثِ في كلِّ ساعةٍ يكفُ