جميع السماوات السبع، ومن فيهن، والأراضين السبع، ومن فيهن، كلهم عبيده، وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل: على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا، فاقرأ قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[يونس: ٣١][سورة يونس، آية: ٣١] ، وغير ذلك: من الآيات الدالات على تحقق أنهم يقولون بهذا كله، وأنه لم يدخلهم في التوحيد، الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعرفت: أن التوحيد الذي جحدوه، هو توحيد العبادة، الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله – سبحانه وتعالى - ليلاً ونهاراً، خوفًا وطمعاً، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم، وقربهم من الله عز وجل، ليشفعوا لهم، ويدعو رجلاً صالحاً، مثل اللات، أو نبيًّا مثل عيسى.
وعرفت: أن رسول الله قاتلهم، على ذلك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن: ١٨][سورة الجن، آية: ١٨] ، وقال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}[الرعد: ١٤][سورة الرعد آية: ١٤] .
وعرفت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم؛ ليكون الدين كله لله، والذبح كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادة كلها لله؛ وعرفت: أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة، والأنبياء، والأولياء: يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله تعالى بهم، هو: الذي أحل دماءهم، وأموالهم، عرفت حينئذ التوحيد، الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون» .
ثم قال: «فإذا عرفت ذلك، وعرفت: أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة، وعلم وحجج، كما قال تعالى:{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأعراف: ٨٦][سورة الأعراف، آية: ٨٦] .