للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجاج شرقا وغربا حتى قضوا مناسكهم وزيارتهم على الأمن والأمان والبر والإحسان، قال: حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان (يعني ابن سعود) ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام، ونهي عن المنكر الحرام، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بهما جهارا من غير نكير.

وذكروا أن حاله كحال آحاد الناس، لا يتميز عن غيره بزي، ولا مركوب، ولا لباس، وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم، وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته، وكان الذي تولى الكلام معه هو الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي، فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا من السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟

فقال له القاضي: بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوي، فقال لهم: معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة " فهل في هذا من مخالفة؟ قالوا: لا، وبمثل هذا نقول نحن أيضا.

ثم قال له القاضي: بلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم، فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد، ورفع صوته بالصلاة عليه، وقال: معاذ الله، إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، وكذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء.

ثم قال له القاضي: وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم، وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها، فقال: معاذ الله أن ننكر ما أثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها؟ وإنما نمنع منها العامة الذي يشركون العبودية بالألوهية، ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى، وتذكر مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور، ثم يدعو له بالمغفرة، ويستشفع به إلى الله تعالى، يسأل الله المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت إن كان ممن يليق أن يستشفع به، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -، ولما كان

<<  <   >  >>