إلى ما يقتضيه هذا التوحيد ويستلزمه، وهو وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأنداد والآلهة، والبراءة من عبادة كل ما عبد من دون الله.
وقد عمت في زمنه البلوى بعبادة الأولياء والصالحين وغيرهم، وفي كل مصر من الأمصار، وبلد من البلدان، وجهة من الجهات، من الآلهة والأنداد لرب العالمين ما لا يحصيه إلا الله على اختلاف معبوداتهم، وتباين اعتقاداتهم، فمنهم من يعبد الكواكب، ويخاطبها بالحوائج، ويبخر لها التبخيرات، ويرى أنها تفيض عليه، أو على العالم، وتقضي لهم الحاجات، وتدفع عنهم البليات.
ومنهم من لا يرى ذلك، ويكفر أهله، ويتبرأ منهم، لكنه قد وقع في عبادة الأنبياء والصالحين، فاعتقد أنه يستغاث بهم في الشدائد والملمات، وأنهم هم الواسطة في إجابة الدعوات، وتفريج الكربات، فتراه يصرف وجهه إليهم، ويسوي بينهم وبين الله في الحب والتعظيم والتوكل والاعتماد والدعاء والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادات، وهذا هو دين جاهلية العرب الأميين، كما أن الأول هو دين الصابئة الكنعانيين، وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ".
وقد بلغ الشيطان مراده من أكثر الخلق، وصدق عليهم إبليس ظنه، فاتبعه الأكثرون، وتركوا ما جاءت به الرسل من دين الله الذي ارتضاه لنفسه.
" فأتاح الله بمنه في هذه البلاد النجدية والجهات العربية من أحبار الإسلام وعلمائه الأعلام من يكشف الشبهة، وينصح الأمة، ويدعو إلى محض الحق وصريح الدين، فنافح عن دين الله ودعا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنف الكتب والرسائل، وانتصب للرد على كل مبطل، واجتمع له من عصابة الإسلام والإيمان طائفة يأخذون عنه، وينتفعون بعلمه، وينصرون الله ورسوله، حتى ظهر واستنار ما دعا إليه، وعلت كلمة الله، حتى أعشى إشراقها وضوؤها كل مبطل ومماحل، وذل لها كل منافق مجادل.
وحقق الله وعده لأوليائه وجنده، كما قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: ٥١][سورة غافر، آية: ٥١] ، وقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النور: ٥٥] الآية [سورة النور، آية: ٥٥] ، فزال بحمد الله ما كان بنجد وما يليها