«لم يقتصر أثر الدعوة الوهابية على الحركة الإصلاحية في مصر، بل تعداه إلى كثير من المثقفين المسلمين في أقطار إسلامية أخرى كسوريا والعراق والمغرب العربي واليمن والهند. وقد احتل بعض هؤلاء مراكز كبرى في حقل التعليم الإسلامي في حلب ودمشق وطرابلس والقدس والهند.
كانت مواسم الحج السنوية فرصًا ثمينة يتحينها الوهابيون لشرح أفكارهم للحجاج المسلمين القادمين إلى مكة من مشارق الأرض ومغاربها، وتبادل الآراء معهم في الدين والدنيا. واستطاعوا بهذه الوسيلة إقناع بعض الشخصيات الإسلامية بأفكارهم، وترتب على ذلك قيام حركات إصلاحية إسلامية خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متأثرة إلى حد كبير بمبادئ الدعوة الوهابية وأفكارها.
ففي اليمن، كان الإمام الزيدي محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني (١١٧٢ - ١٢٥٠هـ ١٧٥٨ - ١٨٣٤م) معاصرًا للشيخ محمد بن عبد الوهاب ويدعو مثله إلى محاربة البدع والخرافات، والثورة على التقليد والدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، والرجوع في العقائد إلى مذهب أهل السلف، وفهم الصفات الإلهية المذكورة في القرآن على ظاهرها، وترك التأويل والتحريف فيها. وكتب في ذلك رسالة بعنوان:«التحف بمذهب السلف» .
«يبدو أن الإمام الشوكاني كان على اطلاع واسع بمبادئ الدعوة الوهابية وتعاليمها؛ لأن أفكاره إنما تعبر تعبيرًا يكاد يكون حرفيًّا عن تعاليم هذه الدعوة. ويتضح ذلك في القصيدة الطويلة التي رثى فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما بلغه نبأ وفاته وبيَّن فيها مدى احترامه له وتفجعه عليه. ولا يذكر المؤرخون شيئًا عن أي لقاء تم بين الإمامين» .
أثر الدعوة في مسلمي الهند: تحتل الهند مكانًا مميزًا في دراسة نمو الأفكار الدينية وتفاعلها نظرًا لتعدد أجناس سكانها ومعتقداتهم المختلفة.
وجد الوهابيون في هذا المجتمع تربة خصبة لبث أفكارهم بين المسلمين والهنود الذين تتفشى بينهم صور شتى من البدع والخرافات المأخوذة عن طقوس وعقائد الديانات الهندية الأخرى. وقد وصلت التعاليم الوهابية إلى تلك البلاد عن طريق زعيم إسلامي هندي يدعى