للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس معنى محاربة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للتقليد أنه يحاربه بكل أنواعه وظروفه، ولكن التقليد عند الشيخ قد يكون ممنوعا، وقد يكون مباحا مأذونا فيه: فالتقليد ممنوع على الشخص الذي يستطيع معرفة الأدلة التفصيلية واستنباطاتها إلا لضرورة ملحة، أما الذي لا يستطيع معرفة ذلك في جميع أموره فالتقليد له مباح مأذون فيه، ولذلك كذّب الشيخ محمد بن عبد الوهاب من اتهمه بإبطال التقليد كلية (١) .

والشيخ وأتباعه وإن كانوا يلتزمون مذهبا معينا في الفروع وهو مذهب أحمد بن حنبل إلا أنهم لا يتعصبون له، ولا يقدمونه على نص قاطع، ولذلك نجد أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من علماء الدعوة ينقلون في كثير من المناسبات أقوال الأئمة الأربعة في بعض المسائل , ليقرروا بعد ذلك الرأي المرجح عندهم، كما أنهم يعتمدون على كثير من كتب المذاهب الإسلامية المختلفة في كثير من مباحثهم، ولذلك يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: " ثم إننا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة ومن أجلّها لدينا تفسير ابن جرير الطبري، ومختصره لابن كثير الشافعي وكذلك البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشرح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث خصوصا الأمهات الست وشروحها " إلى أن يقول: " ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولا وفروعا وقواعد وسيرا ونحوا وصرفا وجميع علوم الأئمة " (٢) .

إن هذا النص السابق يعطينا كثيرا من الدلائل والمعطيات وأهمها أن أتباع الدعوة لا يتعصبون لكتب الحنابلة وعلمائهم وإنما هم علماء متفتحون يهتمون بكل ما يوصلهم إلى الحق أيا كان مصدره، ولذلك فإنهم يقرون - في بعض رسائلهم - الاجتهاد وإن خالف المجتهد أقوال الأئمة الأربعة إذا تبين له الحق في غير أقوالهم (٣) وكان من الاجتهاد.


(١) حسين بن غنام: روضة الأفكار والأفهام ج١ ص ٤٢ و ١١٤.
(٢) سليمان بن سحمان: المصدر السابق ص ٣٩ و ٤٠.
(٣) أحمد بن ناصر بن معمر: رسالة الاجتهاد والتقليد ص ١٧ ضمن مجموعة الرسائل النجدية ج ٣، ط المنار بمصر سنة ١٣٤٩ هـ.

<<  <   >  >>