للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَنَا أَلَّا يُقْبَلَ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ مِنْهُمْ إِلَّا بمَا اشْتَرَطَهُ -يَعْنِي وَالِدُهُ- فَإِنَّهُ قَالَ: يُشْترَطُ فِي الْمُؤَرِّخِ الصِّدْقُ، وَإِذَا نَقَلَ يَعْتَمِدُ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى، وَأَلَّا يَكُونَ مَا نَقَلَهُ مِمَّا أَخَذَهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ ثُمَّ كَتَبَهُ بَعْدَ [ذَلِكَ] (١) وَأَنْ يُسَمِّيَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ، فَهَذِهِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ فِيمَا يَنْقُلُهُ.

(وَ) (٢) أَمَّا مَا يَقُولُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَمَا عَسَاهُ يُطَوِّلُ فِيهِ مِنَ الْمَنْقُولِ بَعْضَ التَّرَاجِمِ دُونَ بَعْضٍ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِحَالِ الْمُتَرْجَمِ عِلْمًا وَدِينًا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ، وَهَذَا عَزِيزٌ جِدًّا، وَأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْعِبَارَةِ، عَارِفًا بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ، حَسَنَ التَّصَوُّرِ، بِحَيْثُ يَتَصَوَّرُ حِينَ تَرْجَمَةِ (٣) الشَّخْصِ جَمِيعَ حَالِهِ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ (٤) وَلَا تَنْقُصُ [عَنْهُ] (٥)، وَأَلَّا يَغْلِبَهُ الْهَوَى فَيُخَيِّلَ إِلَيْهِ هَوَاهُ الْإِطْنَابَ فِي مَدْحِ (٦) مَنْ يُحِبُّهُ وَالتَّقْصِيرَ فِي غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَدْلِ مَا يَقْهَرُ بِهِ هَوَاهُ، وَيَسَلُكُ مَعَهُ طَرِيقَ الْإِنْصَافِ، وَإِلَّا فَالتَّجَرُّدُ عَنْ الْهَوَى عَزِيزٌ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ حُسْنَ تَصَوُّرِهِ وَعِلْمَهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ مَعَهُمَا الِاسْتِحْضَارُ حِينَ التَّصْنِيفِ، فَيُجْعَلُ حُضُورُ التَّصَوُّرِ زَائِدًا عَلَى حُسْنِ التَّصَوُّرِ وَالْعِلْمِ، فَتَصِيرُ تِسْعَةَ شُرُوطٍ فِي الْمُؤَرِّخِ، وَأَصْعَبُهَا الِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِ الشَّخْصِ فِي الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْعِلْمِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ حَتَّى يَعْرِفَ مَرْتَبَتَهُ"


(١) زيادة من: الطبقات.
(٢) ساقط من باقي النسخ.
(٣) وفي الطبقات: ترجمته.
(٤) في جميع النسخ: عنه، والمثبت من: الطبقات.
(٥) زيادة من: الطبقات.
(٦) في أ: ترجمة، والمثبت من باقي النسخ.

<<  <   >  >>